صفر بالسلوك عراقيو الأمس، عراقيو اليوم..

في نهاية السبعينات التقيت بشاب عراقي وسيم ومثقف ومتحمس، كنت مراهقا وقتها، سأله أحدهم عن عمله فأجاب بأنه لاجئ سياسي، ومن يومها أصبحت أمنيتي أن أصبح في المستقبل لاجئا سياسياً عراقياً.

وفي بداية الثمانينات بدأت بالتعرف على العراقيين الموجودين في سورية، وكان معظمهم لاجئين سياسيين، وكنت تسأل أي عراقي في تلك الفترات عن مهنته فيجيبك بأنه شاعر أو رسام أو قاص أو روائي أو صحفي أو فنان أو ماجستير بالإخراج المسرحي من بلغاريا، لم ألمح عراقيا عاديا وقتها، كانوا من المثقفين، وكان بعضهم معروفا قبل مغادرة العراق، وبعضهم الآخر لم يكن معروفا وبدأت شهرته من هنا، بعضهم بقى هنا وتزوج وشكل عائلة، وبعضهم أكمل طريق هجرته إلى أوروبا وأمريكا وأستراليا، وكانوا بعد أن يمضوا خارج سورية يتصلون وهم يبكون حنينا إلى دمشق واللاتيرنا والرواق والريس وفريدي ومقهى الروضة .. إلخ من الأماكن التي لم تعد موجودة الآن!!

كان العراقي يتصل من أوروبا وهو يشتكي من المنفى (آني مدمَّر بالدانمارك.. آني أتمزق بالسويد..)، وكان لي صديق في أمريكا يقول: (آني مدمَّر بنيويورك)، قلت له (طالما أن النظام سقط في بغداد فلماذا لا تعود إليها)، فأجابني (ما أرجع للعراق والاحتلال الأمريكي موجود)، قلت (لكنك مقيم في أمريكا!!)، قال (طبعاً.. آني محتل نيويورك مثل ما هم محتلين بغداد.. وما أطلع من نيويورك إلا لما ينسحبون من العراق)!!!!!!

وعلى الرغم من أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أمنيتي بأن أصبح لاجئاً سياسياً عراقياً كما كان يفعل معظم السوريين الطامحين للإقامة في الدول الاسكندينافية، إلا أنني لم أفعل ذلك وبقيت سورياً مقيماً في دمشق كما يتم توصيفي عادة، وكأن هذا أمر عجيب على كاتب مثلي!!

وبعد احتلال العراق عاد العراقيون الهاربون من النظام السابق إلى العراق، ولكنهم سرعان ما عادوا أدراجهم، فحلم الديمقراطية بدا صعباً، ولا بأس بالتالي من العودة إلى دمشق ومقاهيها وحاناتها ريثما تتحقق معجزة الديمقراطية العربية.

وخلال هذه الفترة بدأ العراقيون الآخرون بالقدوم، الهاربون من الحرب، والهاربون من سوء تفاهم ما، وبدأنا نشاهد عراقيين عاديين، ليسوا بشعراء كما السابقين ولا بفنانين، منهم النجار ومنهم اللحام ومنهم المليونير ومنهم الضابط...إلخ.

اختلف العراقيون علينا، ولكننا لم نختلف عن حالنا، بقينا كما نحن، نحبهم ونحب كل من يأتي إلى بلادنا، نتأمل ما يجري حولنا، ونبدي الملاحظات، ونحلل قصص الآخرين وننسى قصتنا، بقينا كما نحن، سوريون نعرف قصص العالم كله ونناقشها وننسى قصتنا الأصلية، قصة بلد اسمه سورية.

■ لقمان ديركي

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:05