نون النسوة العظيمة

كم هي عظيمة نون النسوة، وأثيرة، وقريبة من القلب، كم عظيمة التاء المربوطة، وكم بحظوظ ما يرتبط بهما بصلة قرابة من الأحرف، لهما السر، والسحر، بحيث يصير من المسوغ، تتبع العطر، واقتفاء أثره إلى مستقره، وحيث من المبرر ما يحرف المعنى، ويشكل داله، ومدلوله، ويعطي المفردة اليابسة انزياحا، والجملة الركيكة بنقصها،  وفقرها من الأكسجين والموسيقى، قطيعا من الإيقاع والتقطيعات، ويبقى الأمر بيسره، وهيّنه، وباستطاعته، أن يسمي الكلام، (الأقل من عادي) شعرا..

في حضرتها تتغير المعاني والألحان، والمراثي والأغاني شريدة الحزن ويمكن للمستمع إلى مقطوعة مبتورة مكررة، وإنشائية، وان يدار حنكه، ويلعب لسانه في ملعب الفم، وتصبح أذنه المخربة إلى وقت قريب، العاجزة من تذوق الشعر وتذوق الحياة (الحياة غير الجديرة بأن تعاش) فجأة تشرق بوجهه، ويرى في الكأس نصفها الملآن فيصفق، ويرفع قبعته فرحا، كأن مسا أصابه، أو لوثة حب الحياة أعادته لمساحاتها المجدبة من جديد، فينبري، وكأنه تمثل بيت طرفة «إذا القوم قالوا من فتى..»، لينصف النص ومبدعه، عفوا «مبدعته»، وهذا استدراك مهم «مبدعته»، فلولا هذه التاء المكورة كرقم (5) لما شالته الحمية، ليعلق على الساذج والسطحي بعبارة من عيار ثقيل: «رائعة من الروائع».. وكأنه يوازي «الساعة الخامسة والعشرون» لـ (كونستانتان جورجيو) أو«امتداح الخالة» لـ (ماريو بارغاس يوسا)،  وتتوالى عمليات القصف مثل «لقد أبدعت الشاعرة أيما إبداع »،«الموضوع قومي» و«جملها كانت مترابطة» و«عاطفة الشاعرة عاطفة وطنية» و«أذهلتني ببوحها الشفيف» و«إنها تكتب ضمن السهل الممتنع».. والصاروخ البالستي القول «كسرت في الوزن قليلا،  لكن ذلك لم يسئ إلى القصيدة»، مع العلم أن القصيدة نثرية، وقفيت من باب السذاجة والجهل بالشيء، فانطلت الحيلة على المدافع المسكين، والذي لايميز بين بحر قزوين والبحر المتدارك، ومن الجمل أضيف: «لقد نصبت الفاعل ورفعت المفعول به»، فيؤكد أن هذا تم بدراية وحنكة إما لإيهام الجمهور واختبار ثقافته اللغوية أو لحكمة في نفس الشاعرة، وبعد هذه الصواعق (النقدية) المتجاوزة لـ(دريدا) وغيره، يختم معلقته بأنه ليس ناقدا، بل هو متذوق، أثارته (المبدعة)، فلم يستطع تمالك نفسه، وتحول بقدرة قادر من قارئ كسول إلى ناقد في غمضة عين، أو سرحان في وجه (كاتبات) أخذ الزمن منهن الكثير، فصرن أشبه بمومياءات، اليسير المتبقي منهن من الحياة لا يؤهلهن برد الأذى، أو بإسداء الجميل والشكر إلى من يستحقه، ويتحول هذا النقد في علو قامته إلى ما هو أدنى من مجاملة مجانية فلا (الناقد الجهبذ) حصل على شكر حقيقي،  أو مرتبة في نفس الشاعرة (المنقودة)، ولا المنقودة اتخذت ما يعيلها على تلمس نصها بهناته، لترتب أوراقها بصياغات جديدة، مستسلمة لنصيحة أو إضاءة تمس جوهر عملها الإبداعي، لا جوهر حضورها الجسدي، فمن أراد أن يصبح ناقدا في خمس أمسيات، ما عليه إلا أن يضع في أجندته أسماء خمس (مبدعات)، ويأخذ بخلطة العينة التي سبق وقدمن لها ولمشروعها النقدي (الكبير)..

المفارقات كثيرة، ولكن أجملها ما حدث في المركز الثقافي العربي بالقامشلي في أمسية جمعت قاصا، وشاعرة، في الآونة الأخيرة، تم كشف بعض لصوصيتها، فقد خاطب أحدهم الشاعرة بقوله أنت والقاص (.....) بدا وكأن بينكما مناجاة، أو حالة صوت وصدى، وكان يقصد التقاطعات الشعورية.. لم تفهم الشاعرة ذلك، وثارت ثائرتها، وأقسمت إنها لاتعرف القاص، ومعرفتها لاتتعدى المسافة التي جمعتهما في مقعد واحد من الحسكة إلى القامشلي، لنتأكد فيما بعد (أن من على رأسه بطحة يتحسس منها)..

ومن المفارقات أن أحدهم نبه شاعرة إلى أنه صفق لشَعرها وليس لشِعرها..

بقي أن نذكر أن (صاحب الرأي الحقيقي والذي يغاير الآخر) بعد الأمسية التي تعج بالعطر، وخرائط الماكياج، والأزياء المنافسة لأناقة نعومي كامبل.... هذا صاحب الرأي الخارج عن السرب، لايسلم من تعنيف وتوبيخ هؤلاء الآخذين على عاتقهم مهمة الدفاع، وتخندقوا في موقع المجاملة وقد يحدث أن يتهموه بالكيدية والغيرة من ملكات (المبدعة)، الملكات الإبداعية (طبعا) وقد يصل الأمر بهم إلى التشكيك بوطنيته...

والله من وراء القصد..

■ محمد المطرود

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:07