من التراث صلح الحديبية.. والقضاء على خطر اليهود

يكثر الحديث عن صلح الحديبية باعتباره مفصلاً سياسياً هاماً في بناء دولة الإسلام، ويعتبره البعض الآخر بأنه كان مقدمة لفتح مكة. وسأحاول هنا أن أوضح أن الهدف الحقيقي لذاك الاتفاق، إنما أملاه إحساس النبي محمد(ص) بتعاظم الدور اليهودي في يثرب وأن الخطر اليهودي، هو الخطر الحقيقي لأنه عقائدي بالدرجة الأولى،

وأيضا بسبب الأحلاف المعادية التي أوجدها وتزعمها اليهود ضد محمد(ص) بعد غزوة الخندق (الأحزاب) التي كانت قاسية جداً على المسلمين والتي أظهرت مدى خبث اليهود وقدرتهم على تأليب القبائل ضدهم. أدرك النبي محمد(ص) أن خلافه مع قريش يحتمل التريث والتأجيل في مواجهة الخطر الأكبر، وكان ذلك الاتفاق التاريخي والذي لم تستوعبه غالبية من كانوا مع النبي فأبدوا معارضتهم عليه ورأوا فيه تنازلا غير مبرر، لكن الرؤية الثاقبة للنبي(ص) سمحت بتوقيع الصلح، وإن كان في ظاهره ينافي مصلحة المسلمين؛ بنود الاتفاق الرئيسية اقتضت من النبي الموافقة على عدم دخول مكة لأداء شعائر الحج وتأجيله للعام الذي يليه (ويدخلها بسلاح الراكب والسيوف في القرب)، والبند الثاني وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين (يأمن فيها الناس والتجارة)، أما البند التالي فهو أقساها... (من أتى للإسلام من قريش دون إذن وليه أو هاربا منها رده لقريش، ومن رجع إلى قريش هاربا من محمد لم  يرد إليه،) لكن أول مكاسب هذا الاتفاق كان اعتراف قريش بالإسلام كقوة على أرض الواقع، فهي لم تكن تعترف به، بل وتسعى لاستئصاله؛ لكن الكسب الأكبر كان في الالتفات إلى الوراء (يثرب) حيث مكمن الخطر، فتوجه النبي(ص) بكل قواه للقضاء نهائيا على اليهود بعد تحييد قريش مؤقتاً وإخراجها من المعركة، أما البند المذل للمسلمين في تسليم قريش من يأتي إليهم، فقد تسارعت الأحداث في إسقاطه وبطلب صريح من قريش، وسببه أن أحد الرجال ممن أعلن إسلامه ويدعى «أبو بصير» استطاع الإفلات من قريش ولم يستطع الإقامة بين المسلمين بعد أن رفض النبي ذلك احتراما للعهد، فأقام على ساحل البحر الأحمر ثم تبعه آخر.. وآخر، وهكذا حتى أصبح العدد كبيراً، وبدأوا بالإغارة على قوافل قريش التجارية ولم تستطع قريش تحميل المسؤولية لأحد، بل وطلبت من النبي(ص) إعادتهم إلى المدينة ليأمنوا شرهم، أثناء ذلك دخلت أسماء كبيرة في الإسلام (عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة) وبدأ النبي بنشاط سياسي وآخر عسكري، أما السياسي فإرساله الكتب والرسل إلى الملوك و الأمراء (النجاشي ملك الحبشة- المقوقس ملك مصر- المنذر بن ساوى حاكم البحرين-وهوذة بن علي حاكم اليمامة- وكسرى وقيصر) يدعوهم لدخول الإسلام أو دفع الجزية، لكن ساعة الحسم هي «غزوة خيبر» وذلك عام  7هجرية، وخيبر كانت مدينة كبيرة ومركزا للدسائس والمكائد، وفيها حصون كثيرة منها (ناعم- الصعب بن معاذ- الزبير- النزار- القموص- الوطيح- السلالم) وأخرى صغيرة أو ليست بذات المنعة. كان جيش المسلمين يتكون من ألف وأربعمائة مقاتل، وفتحت جميع هذه الحصون، ووأد النبي فتنة اليهود، وتغيرت أحوال المسلمين المعيشية.

تقول السيدة عائشة: «لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر». وتزوج النبي (ص) من صفية زوجة كنانة بن أبي الحقيق، بعد أن قتل زوجها لغدره العهد، واستشهد من جيش المسلمين ستة عشر رجلا وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون قتيلا، وانتهى بذلك خطر اليهود الذي كان قائما على الدوام . وبعد سنوات قليلة تعطل اتفاق الصلح مع قريش، وكان فتح مكة الذي غير كل الموازين في جزيرة العرب. 

■ هشام الباكير

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

تنويه

تعتذر قاسيون لقرائها  عن تكرار  مقال  «نفوس العاشقين»  في زاوية «من التراث» في العددين 292  - 294 وذلك بسبب خطأ فني، ما اقتضى التنويه..

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:20