بين ترجمتين لفيسوافا شمبورسكا: نصّ مجنزرٌ إلى بلاغة التّرجمان

نادرا ما تُفرج أساريري لقراءة الشعر المترجم، والأكثر ندرة أن تقع يداي على روح الشعر في تلك الترجمات، مرد ذلك بتصوري إلى الشعر نفسه، ذلك العصيّ على أن يستقر معناه وفضاؤه في بؤرة الفهم، ولرعونة بعض المترجمين واستعجالهم كذلك.. بين يدي ديوان مطبوع بعنوان «النهاية والبداية» صدر عن دار المدى في العام (2002) للشاعرة البولونية فيسوافا شمبورسكا بتوقيع هاتف الجنابي، وترجمات أخرى للمترجم فهد العبود لمعظم القصائد الواردة في الديوان المذكور 

كنت قد حصلت على ترجمات العبود من موقع «الورشة الثقافي»، ومن بعض أعداد مجلة «الآداب العالمية». بالاعتماد على علم الترجمة المقارن، وعلى ما قاله محمد شحرور في معنى الترادف في الألفاظ في كتابه «الكتاب والقرآن»، سأقارب معنى الخيانة في الترجمة، فالمترادفات في العربية لا يمكن لها أن تحمل المعنى ذاته أو الدلالة نفسها، بحال من الأحوال، وإلاّ كان هذا من نوافل اللغة وبطرها. فما معنى الترادف لغوياً أولا؟ أردف فلان فلاناً أي أركبه خلفه على دابة واحدة، أما أرداف النجوم فهي توابعها وتواليها ومن هنا جاء «الترادف» في التربية العسكرية مثلا، وكذلك الأرداف، فالترادف يعني التبعية لا المساواة، ليفكر كل منا في معنيي الفرح والسعادة مثلا!! هذا الاقتباس بترجمتين من قصيدة «فرح الكتابة» الصفحة(56) للجنابي، و«سعادة الكتابة» بترجمة العبود تباعاً، سيوضحان معنى «الترادف» وضعف توظيفه:

«فرح الكتابة/ سلطان وقاية/ انتقام يد فانية»

أما ترجمة العبود فتقول:

«سعادة الكتابة/ القدرة على الاستمرار/ انتقام اليد الفانية»

لا أدري هنا أيهما أتبع الترجمة الأولى أم الثانية، أأستخير أم أستفتي قلبي؟  فالسعادة لا تعادل الفرح مطلقا، فهي أشمل وأكثر ديمومة، ولا سلطان الوقاية يستوي مع القدرة على الاستمرار، ثم ما هو سلطان الوقاية؟ ومن قصيدة بعنوان «تحت نجمة واحدة» الصفحة(99) أقتبس أيضاً:

«أعتذر للصدفة لأنني أدعوها ضرورة/ أعتذر للضرورة،إن أخطأت/ على السعادة ألا تمتعض لأنني آخذها كسعادتي/ اغفري لي أيتها الجراح الفاغرة لأنني أخزُ الإصبع»، أما ترجمة العبود لنفس الأشطارفهي: «أعتذر للصدفة لأنني أسميها الحتمية/ أعتذر للحتمية إن كنت مع ذلك مخطئة/ لا تغضبي أيتها السعادة، لأنني أعيشك وكأنك لي/ اغفري لي أيتها الجراح المفتوحة، وخِزي بإصبعي».أقول وبتجرد: إن ترجمة الجنابي للمقطع المذكور تشبه تماما الترجمة الآلية «سوّد النص..نقرة ترجم». بالعودة لمعنى الترادف فالحتمية لا تعادل الضرورة أبداً، فالضرورة قدم من أقدام الحتمية، أظن وبعض الظن خير، أن شاعرة عظيمة كشمبورسكا لا تعي هذه الفروق مابين الضرورة والحتمية! هذا من جانب لغوي بحت، أما الجانب الجمالي فيأتي الوهن من الصياغة الفنية للشطر الشعري، فما المعنى من«اغفري لي أيتها الجراح الفاغرة لأني أخز الإصبع» أو «على السعادة ألا تمتعض لأنني آخذها كسعادتي!!!»، كلام يشبه بدايات الناطقين بلغة أجنبية أو أبناء أقلية أثنية يعيشون في بلدهم ولا يتعاملون بلغة الأكثرية إلا في كراجات البولمان!!! فالجرح النازف من يجعل الإصبع يخز لا الجريح. أما إذا ما تنطح أحدهم بالقول: هذا ربما من باب التهويم أو التعمية الشعرية، فالرد يكون: إن بنية هذه القصائد ولغتها السلسة لا تحتمل الكثير من المخاتلات والمجازات البلاغية التي تهتّك المعنى أبدا. ففي قصيدة «التعذيب الصفحة»(134) صغّر الروح إلى الرويح!! وهذا ممجوج بلغة الضاد، وفي القصيدة نفسها أيضا استخدم تعبيراً ضعيفاً ليصف حالة المُعذَّب:«مترنحا يسقط تلتوي الركبة»، أما ترجمة العبود ففيها استخدام جمالي للغة: «يسقط منهارا ، يضم ركبتيه». إذا كانت الترجمة عموما هي خيانة ما للنص الأول، فكيف تكون الترجمة غير المسؤولة، وكيف نتعامل معها نحن القرّاء الأغرار باللغة المترجم عنها، ألا نصف هذه الترجمة بالخيانة المركبة، لما تحويه من ضياع وتضليل لنا، واستهتار مشين  بالنص الأم ومبدعه.

مقارنة أخيرة من قصيدة بعنوان «السماء» ص(149)، وبها أختم، يقول الجنابي في ترجمته: «القسمة على أرض وسماء/ ليست طريقة مناسبة/ للتفكير بهذا الكل/ هي تسمح لي بأن أعيش فقط/ بعنوان أكثر دقة/ أسرع على العثور/ فيما لو كنت مطلوبةً/ علاماتي الفارقة/ الجذل واليأس!»، أما ترجمة العبود للمقطع نفسه: «التقسيم إلى أرض وسماء/ ليس طريقة صحيحة/ للتفكير في هذا الكل/ يسمح فقط بالعيش/ ضمن عنوان أكثر تحديدا/ أسهل للإيجاد/ إذا ما فتش أحدهم عني/ علاماتي المميزة هي/ الدهشة والقنوط»..

 لك عزيزي القارىء أن تنظر في كيفية استخدام أحرف الجر عند كل من الجنابي و العبود لتعي علامات الكارثة الفارقة..