خزامى رشيد خزامى رشيد

العراق: بلاد ما بين ملعبين

الدمار، القتل، المجازر، الدم، التفرقة، الصراعات، انعدام الأمن، الجوع، الفقر.. واللجوء، مجملها عناوين فرعية لعنوان عريض واحد هو: الاحتلال.

هذا جل ما أنجزه وينجزه الاحتلال الأمريكي، فقد عمد منذ دخوله العراق عام 2003 إلى العمل على تكريس تقسيم الشعب العراقي إلى شيع وطوائف متناحرة، متبعاً السبيل الكلاسيكي الأنجع للمستعمرين عبر التاريخ وهو سياسة: «فرق تسد»، وأشعل عبر عملائه ومرتزقته فتيل الفتنة العرقية والدينية بين العراقيين، هذه الفتنة التي ساهم النظام الدكتاتوري السابق في التهيئة لها وتركها تغلي تحت الرماد..
بالتأكيد لا يستطيع الاحتلال ابتكار وصفات لاستمرار بقائه في أي مكان، لولا معرفته بأوجاع وتناقضات المجتمع الذي يدخل إليه، صراع طائفي كامن تحت الجلد، حكه الاحتلال وأظهره للسطح، غذاه وأججه، والضحية هو المواطن العراقي البسيط الذي لم ترحمه السياسة يوماً، البلد الأغنى في الوطن العربي، في عوز وظلام، ملايين العراقيين فروا من عراقهم المنكوب، مليون قتيل عراقي.. رقم يفوق مرات عديدة مجمل شهداء وضحايا الحروب التي خاضها العرب مع عدوهم المتربص على الحدود: إسرائيل!!
آلاف السجناء، ومئات التفجيرات في المدن العراقية، نهب للتاريخ وللثروات القومية والحضارية، عوز ودموع في أصقاع المدن العراقية، دموع الثكالى تروي النهرين، الفرات ودجلة، الرافدان يتدفقان شجناً، على ذكرى شطآن بلاد الرافدين التي كانت يوما مفعمة سهراً وغناءً ولقاءات أحبة.. استطاعت الحرب في العراق أن تحول ملامح بلاد الرافدين - بلاد الحضارة - إلى بلاد للخراب والدمار.
يعاني العراقيون ويتأوهون، يقامون وينتظرون طائر الحرية الذي ينطلق من تحت الرماد. لم ينتهِ مسلسل القتل اليومي على الشاشات الفضائية التي تواطأت مع آلة القتل اليومية، فأدمت قلوبنا وأرواحنا وأحلامنا بالفرح.. ملعب السياسة مازال شاغراً لمزيد من الدماء والدموع والفوضى والعذاب والهجرة والتفرقة بين أبناء الشعب العراقي.. بين أبناء الجلدة الواحدة، أصبح الاقتتال عنواناً لأتون حرب تريدها الولايات المتحدة أن تطول ليطول بقاؤها، ونحن – المتفرجين- في ملعب السياسة ساهمون واهمون محزنون صامتون، ولكن:
 من قال إن الموت إذا كان هو الواقع سيكون هو المستقبل؟؟ فمن قلب الموت ومن قلب الدمار تنفست رئة الحياة ورئة الفرح من جديد، وتحول المتفرجون المحتبسون بالحزن، إلى متفرجين مهللين، إلى طائر الحرية الذي انطلق من ملعب الرياضة، انقلبت قواعد اللعبة جيدا، فاللاعب العراقي يلعب بهمة غير مسبوقة يدفعه ركام الآلام ودموع الثكالى ينطلق، ويصيب الهدف، وينتصر، ويحمل لقب كأس الأمم الآسيوية. تعلو صرخات الفرح، فرح العراقيين، وفرح المتفرجين العرب والمناصرين لحرية واستقلال العراق في العالم بأسره، ولكنه الصراخ المفعم فرحا وأملا وفخرا بمن عطب آلة الحرب اليومية ولو لحين، من أزاح عن قلوب العراقيين ثقل التفرقة والاقتتال، فرح الشعب العراقي فرحا واحدا، فرح الانتصار والعزة، فرح قوة الحياة، وفرح جميع أبناء الطوائف والمناطق من شمال العراق إلى جنوبه، نعم، لقد دب فرح مؤقت، ولكنه الفرح الذي كشف عميقا أن واقع الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، هو واقع مسموم وطارئ ولن يدوم طويلا..