مختارات الصحراء لا تريد أن تتكلم

من هذا المكان الصارم العاري، لأنّه لا يريد أن يستر نفسه ككل الأمكنة، تعلّمت المساحات فضيلة كانت عنوان كلّ حكمة أرضية: الصّمت!

كما يُؤتى العلم دائماً بعد فوات الأوان، فإنّ الأمكنة تعلّمت أنّ السكوت رأس الحكمة، بعد فوات الأوان أيضاً، بعد أن استسلمتْ لإغراء اللسان، وذهبت بعيداً في قول جهلٍ ما كان ينبغي أن يقال. أدركت فضيلة الصمت بعد أن عرفت إثماً، وارتكبت جرماً في حق كنز وضعته السماء بين يديها أمانة، فخانت الأمانة السماوية، وثرثرت للملأ بالسرّ!

ولأنّ السماء لا تغفر الحنث بالوعد، فقد وجدت الأمكنة نفسها مدفوعة باللعنة. لعنة أبدية لن يتخلّص منها مكان ما لم يغسل نفسه من رجس الكلام الذي قيل، والكلام ليس خطيئة ككلّ الخطايا، لأنّه إذا خرج من الفم، وذهب به اللسان، فإنّه لا يعود إلى الوراء أبداً.

يئست الأمكنة من الشفاء، فمضت تثرثر بجهلها، وتكثر من كل قولٍ لتشيع نهم الكبرياء بالتباهي، ولم تدر الأمكنة الدنس أنَّ من يتكلم وحده لا يعلم، أمّا من يعلم فلا يتكلّم.

■ ابراهيم الكوني

«صحرائي الكبرى»