الشاعر أحمد تيناوي: العالم كلّه يؤجل أحلامه بانتظار عودة المسيح

يتميز الشاعر أحمد تيناوي بخفّة الدم في الكتابة والحياة، فالشعر، برأيه، ابن الطلاقة والعفوية، ويثير استغرابه أنّ الشعراء فقدوا هذا الامتياز، وباتوا ميّالين للرزانة والصمت.

كتب منذ أكثر من ربع قرن مجموعة بعنوان ((رماد)) ثم سافر إلى أمريكا ليقضي فيها عقداً كاملاً، عاد منه بخفي حُنين، ولسان حاله يقول: رضيت من الغنيمة بالإياب.لم ينشر مجموعة بعد باكورته، لكنه ظل يكتب الشعر، وفي أدراجه مجموعة كاملة عن امرأة اسبانية أحبها بعنوان((أندلوثيا)). كل ما يفعله الآن هو الكتابة في الصحافة، حتى أنك لا تجد منبراً إلا وقد شارك فيه.

كانت خطة هذا الحوار نصب فخ للشاعر، لكنه استطاع التخلص من الكمين، وإيقاع محاوره في ذاته الشباك.

• لماذا لم تصدر إلا مجموعة واحدة فقط.. هل متّ كشاعر؟

•• يفترض سؤالك متعة لا أستطيع ممارستها كشاعر ميت! لكنني بالتأكيد أستطيع تجنبها وأنا أحاول معرفة ما إذا كانت حياة الشاعر أو موته مرتبطة بعدد المجموعات التي يصدرها.. هنا، أستطيع بثقة إحصاء جثث الشعراء التي ضمتهم مقبرة جماعية واحدة.. دون أن يقرأ أحد لهم حتى عناوين المجموعات التي أصدروها وهم أحياء، كما تزعم في سؤالك.. هل مت كشاعر؟ ربما كان سؤالك أكثر ذكاء لو قلت لي: هل أنت حي كشاعر.. عندها سأقول لك بقليل من الذكاء، ولكن بدون ريبة من أي نوع.. لا!!؟

• أنت حاضر في جميع المنابر الورقية ككاتب، وفي الندوات الثقافية التي تحضرها، دائماً ما تقوم بحركات، أو تطرح آراء مثيرة للجدل.. هل ذلك بسبب حب الظهور؟

•• يستفزني هدوء الآخرين ووقارهم، وتستفزني أكثر تفاهتهم وتحذلقهم، ويستفزني أكثر وأكثر معرفتي بأنهم سيكونون بعد جلساتهم العلنية الوقورة عشاق نميمة وقضاة مأجورين، الثقافة تعلمك الحكي، وهؤلاء يفضلون الصمت.. أنا أكتب كثيرا لأنني أقبض ثمن ما أكتبه، وها أنا أضيع وقتي بالإجابة على أسئلتك التي ستقبض أنت ثمنها، ولكن عندما لا يدفع لك أحد فتصرف على أن ما تفعله وما تقوله هو بالمجان.. يعني تأكد من أن أي تصرف، أو حركة، أو حتى عبارة تتفوه بها هي مجرد ( علاك بعلاك).. وهذا ما أفعله.. ربما كان هو حب الظهور.. سمه ما شئت!

 • تعلن، على الدوام، بأنك تريد تحويل حياتك إلى قصيدة، ترى إلى أي حد نجحت في ذلك؟

•• لم أعلن عن ذلك، أنا مازلت أعيش حياتي شعرا، أنا شخص متناقض إلى درجة فاحشة، لا أعرف ماذا أريد، وإذا أردت فإنني لا أمتلك الإرادة لتحقيق ما أردته، أنا أرغب دائما أن أكون على نقيض ما أنا فيه، وعندما أصل إلى هذا النقيض أستميت لإرجاع السابق، أنا لا أعرف كيف أحب، ولا أقدر على الكراهية.. حداثوي وتقليدي في الوقت نفسه، ضعيف وقوي، مستهتر بالقيم ومن أشد المحافظين عليها، أتخلف عن الموعد دائما، متردد كثيرا، أسأل الآخرين مشورتهم ولا أتبع أياً منها.. باختصار أنا شخص فاشل رغم أن البعض يعتبرون أنني شخص ناجح.. هل وصلتك الإجابة، أم أنك تريد أنت الآخر أن أربط لك شريط حذائك حتى تتأكد أن الشاعر يمكن أن يكون ماسح أحذية أيضا.. أم أن لقصيدة الشاعر وحياته طريقة واحدة اخترعتموها أنتم وآباؤكم الأولون!!

• أنت دمشقي ومن عائلة عريقة.. إلى أي حد تعيش حياتك كشاعر في وسط اجتماعي تقليدي؟ وهل دمشق ترقى إلى مدينة شعر و شعراء؟

•• أنت تعبث معي، هل أنت تعيش في الحمام والتواليت والفراش حياتك كشاعر شاب، أو كصحفي شاب؟ أنت في الحمام تستعمل الصابون أو لنقل الشامبو والليفة، وفي التواليت.. لنتجاوز هذا التواليت، فأنت بالتأكيد تنام في الفراش مثل بقية خلق الله حافيا.. يا أخي شو دخل العائلة العريقة بالشعر؟.. أما دمشق فهي مدينة عاقلة بما يكفي كي تجعل الشعراء يأتون إليها فرادى وجماعات، ومع أنها دائما كانت تقول لهم (طز فيكم).. إلا أنهم يصرون أن يأتوا إليها.. صاغرين!!

• تقدم نفسك كعاشق فاشل، وإنسانٍ خاسر، كيف تنسجم مع كل هذه الخسائر؟ ثم هل الخسارة هي الغنيمة الوحيدة؟

•• لست عاشقا فاشلا، بل أنا عاشق دائم، والمشكلة في المرأة نفسها، فالمرأة التي ليست معي هي أجمل امرأة في العالم.. إلى أن تصبح لي، وهكذا تتجدد اللعبة إلى ما لانهاية، وما تسميه خسارة أرى أنه طريقة حياة اعتدت عليها.. يا أخي جميعنا خاسرون بشكل أو بآخر.. إلا إذا كنت تسمي امتلاك منزل جميل وسيارة فارهة وزوجة دائمة.. نجاحا.. أرجو أن لا تفعل ذلك يا رائد..!!

 • تشرف على صفحة خاصة بإبداع الشباب في جريدة تشرين، هل عثرت على أصوات مبشرة؟ ومن هو الشاعر برأيك؟

•• نعم عثرت على أصوات شعرية متميزة، ولكن التبشير بها ليس من مهمتي، ولا أعتقد أنها مهمة الشاعر.. أما الشاعر برأيي!؟ فهو الذي يكتب شعرا، أما ماهو الشعر؟ فهو الذي لا أمتلك له تعريفا سوى أنه شعر.. أما إذا أردتني أن أدخل في إطار التنظير فسأقول لك بكل بساطة: إنه تلك اللعبة اللغوية التي تستطيع أن تجعلني أتلمس نصا لم يكتبه أحد سوى هذا الذي كتب النص نفسه.. إنها الحساسية يا صديقي.. الحساسية التي جعلها الحليب المجفف تتشابه إلى درجة موت الشعر نفسه.

• أنت متواجد في الصحافة الرسمية والخاصة.. بحكم حضورك داخل المطبخ الصحفي السوري، ما المستقبل الذي تتوقعه للصحافة السورية؟

•• أتوقع أن تبقى الصحافة السورية، صحافة سورية بامتياز!!

• ما الذي يجعلك متردداً في نشر المجموعة التي أنجزتها (أندلوثيا) عن علاقة حب حقيقية مع امرأة من الأندلس؟

•• نشر ( أندلوثيا) يعني إعلان هزيمة ساحق بالنسبة لي، ويعني أنني رفعت راية الاستسلام والخسارة الدائمة.. دعني أنتظر قليلا فربما تعود لوثيا.. العالم كله يؤجل أحلامه بانتظار عودة المسيح، فهل تستكثر علي انتظار عودة لوثيا؟!!

■ حاوره : رائد

آخر تعديل على الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 17:45