عبسي سميسم عبسي سميسم

مطبات (شوفيرية) الإصلاح الاقتصادي

عندما يشرح أستاذ في الرياضيات عن الأعداد العقدية لمجموعة من البشر بينهم عدد من خريجو قسم الرياضيات، وعدد من مربي النحل، وعدد من الحلاقين، فمن البديهي أن يكون خريجي قسم الرياضيات هم الأكثر فهماً لما يشرحه الأستاذ الرياضي، وكذلك الأمر حين يشرح دهّان عن الفرق بين معجونة (السلر) ومعجونة (البوبا) لمجموعة فيها عدد من أساتذة الجامعة، وعدد من الدهانون، وعدد من مصلحي الدراجات الهوائية،

 فمن البديهي أيضاً أن يكون الدهانين هم الأكثر فهماً لما يشرحه الدهان، وبالتالي فإن أي شخص يطرح فكرة ما في مكان ما فإن أكثر الأشخاص قرباً من تفكيره وشبهاً به وبأفكاره سيدركون ما الذي يبتغيه من فكرته، ولكن الأمر المحير هو أن الحكومة قد صار لها مدة ليست بالقصيرة تشرح فيها لجميع فئات الشعب عن اقتصاد السوق الاجتماعي وفق رؤيتها، وإلى الآن لم يبدِ أي من أساتذة الاقتصاد (الذين من البديهي أن يكونوا الأقدر على فهم قضايا كهذه) فهماًَ يذكر لما تريده الحكومة من هذا الاقتصاد، ولم يفهموا ما هي الآليات الناظمة له، فمنهم من اعترف صراحة أنه لم يفهم على الحكومة، ومنهم من انتقد هذا النهج الاقتصادي بالطريقة التي شرحتها الحكومة، فاعتبرته الحكومة أنه لم يفهم عليها أيضاً!!
ولكن المفارقة في الموضوع أن سائقي السرافيس كانوا أول من فهم بالضبط ما الذي تبتغيه الحكومة من هذا الاقتصاد، ومن أول مرة شرحت فيها عن ماهيته!! ولم يكتفوا بالفهم السريع له، بل راحوا يطبقونه بحذافيره وكما تخطط له الحكومة، فالمسألة وجدوها لا تحتاج إلى كثير من الفهم، فهم في سوق حر، ويمتلكون (سلعة) هي خدمة النقل، وجميع المواطنين راكبي السرافيس هم مستهلكون لهذه السلعة. كما فهم السائقون على الفور أن هذا الاقتصاد هو اقتصاد قائم على العرض والطلب دون ضوابط تشريعية لضبط العلاقة بينهما، فلا شيء يمنعهم من احتكار سلعتهم متى يشاؤون، ويتحكمون بسعرها متى يشاؤون بحسب الطلب عليها، وفهموا أيضاً أن الحكومة قد هيأت لهم مناخاً مؤاتياً ومشجعاً من الفساد يستطيعون من خلاله أن يضعوا حداً لكل تشريع أو قانون أو قرار يتعارض مع مصلحتهم في جني الأرباح، فعمدوا إلى تقسيم خطوط سيرهم إلى قسمين أو ثلاثة، وأحياناً أربعة أقسام، بحسب عدد المستهلكين منا. ففي وقت الذروة يكون الطلب شديداً، فتجدهم قد حددوا خط سيرهم بمسافة لا تتجاوز 2كم، أو أوجدوا طريقاً مختصرا يوصلهم مباشرةً من أول الخط إلى آخره وبأجر مضاعف. ومنهم من يغير خط سيره ويعمل على خط آخر ويأخذ أجراً مضاعفاً، ويدعي أنه صاحب فضل في تخفيف الأزمة عن الخط الذي حول خط سيره إليه..
والمواطن الذي يستخدم السرفيس مجبر على قبول جميع العروض المقدمة له من سائقي السرفيس، وشراء سلعتهم بالسعر الذي يرونه مناسباً، دون أن يكون لديهم أي خيار آخر، والحكومة راضية ممتنة لهذا الفهم السريع لاقتصادها الحر الاجتماعي. فلو فكرنا بالسبب الذي جعل سائقي السرفيس يكونون هم الأكثر فهماً لما شرحته الحكومة عن اقتصاد السوق الاجتماعي، سنستنتج أحد أمرين:
إما أن يكون (شوفيرية) السرافيس قد ارتقوا بعلومهم الاقتصادية إلى درجة أعلى من أساتذة الاقتصاد أنفسهم..
وإما أن مستوى أفكار الحكومة في طرحها لاقتصادها الجديد هي بمستوى شوفيرية السرفيس، مع احترامنا لهم، وبالتالي لا فرق في أن ندعوهم قادة الإصلاح الاقتصادي أو شوفيرية الإصلاح الاقتصادي.