تعا... نحسبها...

أزمتنا مرحلية، وشح مواردنا طارئ، وعجزنا في إيجاد مصادر تمويل مؤقت، وخياراتنا المتاحة متعددة، والتكتيكي منها: الجور على المواطن صاحب الدخل غير المحدود والصدر الرحب. والقرار مبرر، لأن المواطن مرفه، وأجره الأعلى عالمياً، وعمله في قطاعاتها المختلفة ترف من باب الحرص على البلد واقتصاده رغم توفر الموارد الخاصة التي تسمح له بالعيش الرغيد، لتغنيه عن العمل، فالعمل في بلادنا لتحقيق الذات وليس للدخل اعتبار فيه!!المعاناة معدومة، والمرافق العامة ببناها التحتية هي الأكثر اتقاناً وتجاوباً وتلبية لمتطلبات مواطنيها وطموحاتهم. الصحة والتعليم يحققان أعلى مؤشراتهما ودائماً على مستوى العالم. كل هذا يبرر الخيار الأسهل والأبسط لإعادة النظر بامتيازات هذا المواطن وبما تحتويه جيوبه، عبر إقناعه بضرورة التخلي عن بعض ما يملك من امتيازات، رغم مرارة التجربة السابقة.

ورفع الدعم كقرار، هو قرار المواطن رحب الصدر في استيعابه للطوارئ أولاً، وقرار حكومته المستندة لحسابات ودراسات معمقة للواقع ثانياً، فتفاقم مشاكلها الاقتصادية دفعت للتعاون مع مواطنها الجبار صاحب الموارد غير المنتهية الذي يعيش في بحبوحة ورفاه، وجارت عليه هذه المرة فقط،. وبالمقابل، حرصت على ضيوفها، وعملت على تكريمهم وعدم المساس بأموالهم حرصاً منها على تقديم كل دعم مادي ومعنوي، حفاظاً على كرم الضيافة...

والتفاصيل تنطلق من بعض حقول النفط الثقيل في سورية (عودة, تشرين, الشيخ منصور, الشيخ سليمان..) ومستلزمات عملها...

أولاً- يحتاج المحتوى النفطي في آبار هذه الحقول للإسالة بطرق متعددة لرفع إنتاجيتها. والعمل التقني السائد اليوم هو الحقن البخاري باستخدام وحدات حقن خاصة steam generator injection) (steam هذه الوحدات تعمل على الديزل (المازوت) والاستهلاك اليومي النظري للوحدة الواحدة (خلال 24 ساعة) من المازوت بين 30-35 ألف لتر، أما استهلاكها اليومي الوسطي الفعلي، فهو 17000 لتر يومياً... وعدد الوحدات العاملة حتى هذا التاريخ هي 6 وحدات... وهناك 4 وحدات إضافية ستنضم للعمل الميداني قريباً، وما تستهلكه هذه الوحدات العاملة من المازوت هو:

17000 لتر× 6 وحدات = 102000 لتر مازوت /يومياً

وفي السنة الواحدة (365 يوما) يكون إجمالي استهلاك هذه الوحدات...

102000 لتر/يوم × 365 يوم = 37230000 لتر /سنة

ثانياً - يعمل في حقول النفط السابقة عدد من الحفارات والمعدات الأخرى الضرورية لانجاز العمل، وإجمالي ما تستهلكه هذه المعدات هو: 150- 200 ألف لتر أسبوعياً، وإذا اعتبرنا أن الوسطي الأسبوعي هو 175 ألف لتر، يكون استهلاكها اليومي 25000 لتر، أما السنوي:

25000 لتر × 365 يوم =9125000 لتر/سنة

إجمالي استهلاك هذه الحقول السنوي من المازوت هو:

37230000 لتر +9125000 لتر = 46355000 لتر/سنة (46.355 مليون لتر)

 
سعر اللتر في السوق العالمية 33 ل.س، وسعر الدعم للتر في سورية هو 7 ل.س. واللافت أن الشركة صاحبة العقد في هذه الحقول (Duplen) تُعاملها وزارة النفط السورية كالمواطن السوري، حيث أن المازوت المستخدم في تشغيل وحداتها يكلف خزينة الدولة (ذات الموارد المحدودة) حتى هذا التاريخ على الأقل 26 ل.س في كل لتر وهو الفرق بين السعر المدعوم والسعر العالمي، ويكون بذلك إجمالي الدعم الذي تقدمه الحكومة السورية لهذه الشركة (المحتاجة) وعلى أسس حسن الضيافة وحسن النية هو:

46.355 مليون لتر× 26 ل.س = 1205230000 ل.س/سنة

أي أن فريقنا الاقتصادي المضياف يدعم شركة Duplen ( المحتاجة) بما قدره 1.205 مليار ل.س سنوياً، وهو ما يعادل 24.3 مليون دولار سنوياً... وأيضاً ما يعادل وسطي رواتب 241046 موظفاً في الحكومة السورية خلال شهر واحد، ويعادل ما سيقدمه جهابذة الاقتصاد في حكومتنا الموقرة من إعادة لتوزيع الدعم لـ 100435 أسرة سنوياً!!!

أرقام تعلن عن نفسها وتكشف بعفويتها حجم الهدر (البريء) المبرمج في الاقتصاد الوطني على حساب الوطن وأركانه، وتظهر أن القائمين على الاقتصاد يحمّلون المواطن أعباء قراراتهم التي بات ما يبررها عادة من حجج كنفاذ المصادر وغيرها لا تكفي ولا تقنع، وتنسف مصداقية كل الأسس المعلن عنها من هذا الفريق الذي يأخذنا حتى الآن نحو الوهم بأرقام معلنة يعرف الاختصاصيون عدم دقتها...

مبرراتهم العلمية الاقتصادية أصبحت واهية ومنطقهم المعلن كارثي واستنتاجاتنا كبيرة... وتمازج تجربتنا مع خيالنا يقودنا لاستنتاجات لا نتمنى أن تثبت خفايا خلفياتها وارتباطاتها وطول سلسلتها المتداخلة.. محلياً..

 وربما غير ذلك...