عساف محمد العساف عساف محمد العساف

السينما المستقلة في سورية: كاميرات ترصد المسكوت عنه في الدين والجنس والسياسة

عدد قليل من الأفلام لا يتجاوز المائة، ومجموعة من الشباب الباحث عن ذاته والمؤمن بقدرته السينمائية، جعلت مصطلح السينما المستقلة يدخل قاموس السينما في سورية المصاب أصلاً بترهل مزمن ومنذ عقود.
واستقلالية هذه السينما الناشئة أتت عن وعلى جبهات مختلفة، فهي بدأت بعيداً عن مناخات المؤسسة العامة للسينما المسؤولة بشكل كبير عن تردي الوضع السينمائي السوري من حيث الإنتاج والتوزيع، حيث أن معظم هذا الإنتاج المستقل أُنجز بشكل فردي وبتكاليف قليلة جداً موّلها أصحابها من الجيل الجديد الذي تفصله قوة زمنية واسعة عن جيل المخرجين السوريين الذي بدأ في سبعينيات القرن الماضي ومازال إلى الآن يبحث عن فرص إنتاجية تعبر عن مقولاته وأفكاره المشبعة بالإيديولوجيا والقضايا الكبرى والتي طلقها أبناء الجيل الجديد طلاقاً بائناً مفضلاً البحث لنفسه عن لغة سينمائية خاصة ومواضيع اعتدنا لفترة طويلة أن نسميها هامشية.

ربما كانت التظاهرة التي أقامتها مجلة الوردة العام الماضي للأفلام القصيرة وعرض فيها أكثر من خمسين فيلماً الانطلاقة الأولى لهذه الأفلام «المستقلة» وأصحابها نحو الشاشة وجمهورها وكانت فرصة حقيقية لتقييم هذه الأفلام وتعريف الجمهور بمخرجيها وآليات إنتاجها البسيطة جداً، حيث صور أغلبها بكاميرات فيديو ديجيتال وخضعت لعمليات مونتاج بسيطة وبجهود شخصية أيضاً.

ورغم التفاوت في مستوى هذه الأفلام من حيث القيمة الفنية واللغة السينمائية، حيث بدا بعضها أقرب إلى محاولات سينمائية منها إلى تجارب واضحة المعالم، إلا أن بعضها الآخر يبشر بمواهب حقيقية وأسماء أخذت بالظهور أكثر فأكثر في مجال الأفلام القصيرة، ومنها المخرج الشاب رامي فرح الذي قدم أول أفلامه «زمكان» ليتلوه بتجربة أكثر نضجاً وهو فيلم «صمت» الروائي القصير ومدته 20 دقيقة، وحاز به على جائزة الصقر الذهبي في مهرجان «روتردام» للأفلام العربية وهو يتناول حكاية الجولان السوري الممثل، كما برز اسم جود سعيد الشاب القدم من فرنسا وفيلمه «بضع من أيام أخر». وقدم إياس مقداد نفسه من خلال فلميه الدافئين «جو» و«خارج الحب».

وكان للعيون النسائية الأنثوية حضورها في هذه السينما لتعرّف الجمهور بأفلام تصدت لمواضيع حكمتها النظرة الذكورية لفترة طويلة مثل مسائل الحب والجسد والذات وغيرها، فأصبحنا نسمع عن مخرجات شابات مثل ديانا جيردوية وعبير اسبر وجود كوراني ولبنى حداد ولينا العبد وغيرهم ممن حملن الكاميرا وبدأن رحلة السينما الشاقة.

هذا الحراك السينمائي الجنيني شجع البعض للتقدم خطوة أخرى فأقام المخرج علاء عربي كاتبي ورشة سينمائية أسماها بيت الفن أنتجت أكثر من 12 فيلماً.

كما جمع المخرج محمد قارصلي 17 شاباً وشابة في ورشته السينمائية الخاصة. وأقام اتحاد طلبة سورية مهرجاناً للهواة الشباب عرض خلاله 14 فيلماً قصيراً حاز فيلمان منهما على الجائزة الأولى وهي جائزة مادية معقولة بالنسبة لهكذا نوعية من الأفلام. وفي فيلم «موت معلن» ليامن محمد و«أرواح» لفراس فياض وقدم المخرج علي ديوب صاحب فيلم «طرب» فيلمه الجديد «معك ولاعة» والذي حاز به على جائزة أحسن إخراج.

من الممكن أن نحمل المواضيع والأفكار التي قدمتها أفلام الشباب في عنوان عريض وهو قول المسكوت عنه في الدين والجنس والسياسة والذات الإنسانية.

ففيلم «طفولة المكان» لحازم حموي أراد تسليط الضوء على دين أو مذهب معين بحياته وشعائره الدينية وتحولاته.

وقد طلال ديركي في فيلمه «باب الحديد» شهادة عن حياة المعتقلين.

حتى أن فيلم سامر برقاوي «يسري نضر الله» منع من العرض لأنه يتساءل ببراءة عن معنى تحويل اسم وادي النصارى إلى وادي النضارة.

وجاء فيلم إياس مقداد «خارج الحب» كصورة مختلفة عن الحب وانكسارات العشاق وانعكاس هذه الانكسارات في نظرات أصحابها في بورتريهات متتالية تقول الكثير بدون مواربة أو تجميل.

يجمع المخرجون الشباب من خلال أفلامهم أو تعليقاتهم عليها على حالة البحث عن هوية سينمائية تكون معادلاً موضوعياً لهوية إنسانية ذات رؤى جديدة، يعتقدون أنها قد تكون موجودة في التفاصيل المغيبة والزوايا الهامشية للحياة اليومية وأنه تكفي كاميرا وشخص وراءها للتعبير عنها وتقديمها بدون الاستناد إلى مرجعيات وقواعد سابقة.

تحاكي هذه الظاهرة السينمائية الشابة وإن بشكل نسبي، بعض الحركات السينمائية في العالم مثل سينما الواقع الأوربية، وتقترب بتمردها على واقعها السينمائي من حركة دوغما 95 الدانمراكية التي تمردت على قوانين السينما ومعطياتها من ديكور وصوت وضوء ومكان وممثل وغيرها والتي قدمت مخرجين عالميين مثل لارسن فون ترير.

ربما تحتاج هذه المجموعة من التجارب إلى الانتظام ضمن ورشات عمل سينمائي حتى يكون لها منهج واضح وهوية بارزة تكسبها النضج والمشروعية الكاملة وشخصياً أعتقد أن لحضور مخرج متميز مثل عمر أميرلاي بتاريخه وهمه السينمائي ومشروعه بيت الفيلم العربي الذي أقامه في عمان قد يكون له دور كبير في صقل هذه المواهب ودفعها أكثر نحو سوية فنية أجمل وتعابير بصرية أوضح وأكثر نضجاً حتى لا تبقى مثل أختها غير الشقيقة سينما القطاع العام أسيرة المهرجانات وغائبة عن جمهورها الحقيقي.