تعا... نحسبها...

للقانون الوضعي مقومات، أهمها تحقيق التوافق والتوازن بين كل أطراف العلاقة التي أنشئ من أجلها والمعنية المتأثرة بهذا القانون، وذلك بعد دراسة الواقع بتأن ودقة أولاً، ومراعاة حقوق وواجبات كل الأطراف ثانياً. وعلى أسس كهذه توضع القواعد النظرية المفترضة له، محاولة سد أكبر قدر من الثغرات التي يصعب ظهورها للمراقب العادي من الخارج قبل البدء بتطبيق هذا القانون.

هي مقدمة للدخول في جوهر ماطرح مؤخراً حول مشروع قانون يتضمن اقتطاع 10% من الغرامات المحصلة من مخالفات قانون السير والمركبات وصرفها للعاملين في مجال المرور، حيث يهدف مشروع القانون إلى تحفيز عناصر المرور لتطوير العمل والأداء بما ينعكس إيجابياً على صعيد تنظيم عملية المرور والتقيد بأنظمة السير وحماية المجتمع من تجاوزات المخالفين. إن العلاقة المفترضة الناشئة عند تطبيق هذا القانون هي بين طرفين اثنين المخالف، والمقرر للمخالفة، وغالباً ماتكون هذه العلاقة بالغة التعقيد وتوصف بعدم وضوح حدودها من حيث الحقوق والواجبات.. فتداخلاتها شائكة، ومرونتها معدومة، ويتحكم فيها أحد هذين الطرفين وفق رؤيته، ومن وجهته، والكلفة تميل كما هو سائد (الواقع التجريبي) لصالح طرف المعد للمخالفة ومقررها لأنه الخصم والحكم، ولا مرجعية تضبط أخطاءه (الشخصية على الأقل من وجهة نظر العلم)، بل وفي غالب الأحيان هناك تجاوزات على الطرف الآخر المفترض أنه أقدم على مخالفة ما، والتي لها بعد حسابي...

المثال الحسابي المختار هنا، تجاوز شارة ضوئية لإظهار التداعيات الواقعية المتوقعة لهذه المخالفة، والبداية من قيمتها التي تبلغ حتى هذا التاريخ 1500 ل.س، (مرشحة لتصبح 5000 ل.س)، وعند تطبيق هذا القانون على هذه القيمة، يعني أن المقرر للمخالفة له حصة نسبية هي 10%، وتعادل 150 ل.س، فكل مخالفة يضبطها تعني مكافأة قدرها 150 ل.س دون أي اعتبار للطرف الآخر الأساسي المطبق عليه القانون، وتجاهله فاضح، كركن من أركان العلاقة. حيث أن مشروع القانون هدفه أولاً رفع أداء الشرطي، وثانياً حماية المجتمع من تجاوزات المخالفين (نص المشروع).

هذه المكافأة المجزية ستدفع الشرطي للعمل على تحصيل أكبر عدد ممكن من المخالفات الواقعة من وجهة نظره لتطبيق القانون أولا، والحساب ثانياً، (وليس العكس)، والذي يعني له مبلغاً مادياً مجزياً آخر الشهر، فتحقيق 10مخالفات يومياً، وهو أمر ممكن ببساطة عند نقطة مرورية ثابتة سيدها بالقرار، وذلك عند مرور السيارات في الثواني الأخيرة، حيث تزداد فرصته بتحقيق الهدف المفترض على أوتار الغموض والالتباس الحاصل بين الأخضر والبرتقالي. والقرار، مخالفة المتجاوز لأنه انتهك القانون شكلا، والجوهر يبقى لصالح الحساب الذي يؤخذ في هذه الظروف المجزية بعداً محسوباً على أساس كتابة 10مخالفات يومياً، والذي يعني إنتاجية (يومية) قدرها:

150 ل.س × 10 مخالفات = 1500 ل.س

أما في الشهر فيكون الإجمالي:

1500 ل.س × 26 يوم =39000 ل.س

يضاف للمبلغ السابق راتبه الشهري المقدر بـ 5000 ل.س، والإجمالي النظري هنا: هو 44000 ل.س

هذا الدخل الكبير بمستوى الدخول في بلدنا، والمتعلق بمستوى المرتبة العلمية التي تحقق هذا الدخل، يدفع باتجاه تناقضات وإشكاليات متعددة أهمها:

- خلخلة التوازن الاجتماعي القائم عند أي مقارنة بين مختلف الدخول للاختصاصات الأخرى، ودخل شرطي المرور.

- تحفيز مادي للشرطي بهذا الكم يدفع باتجاه تخوفات ليست بعيدة عن الواقع في أن يكون للشرطي حساباته الخاصة في محاولاته لتحقيق أكبر عدد ممكن من المخالفات بغض النظر عن صحتها ولو غيابياً...

- سيضغط مشروع القرار هذا في حال تطبيقه باتجاه الطلب على هذه الوظيفة (شرطي مرور حصراً)، والتي ستصبح أمنية لكثير من خريجي الجامعات والمعاهد، وربما خريجي الدراسات العليا العاطلين وغير العاطلين منهم، بناءً على مستوى الدخل المحقق...

- تعميق أزمة الثقة المفقودة أصلاً بين طرفي العلاقة: شرطة المرور وأصحاب المركبات، الناتجة عن التجارب المتراكمة على المستوى الشعبي، ومايتداوله عامة الناس على خلفية التجربة حول صعوبة هذه العلاقة وتعقيدها، وربما طرافتها في مواقف كثيرة.

- سيعمل مشروع القرار هذا على دفع الجهات المسؤولة نحو زيادة إنتاجيتها من دفاتر المخالفات لحده الأقصى نتيجة الطلب المتوقع على دفاتر المخالفات والمفترض نظرياً أن يكون كبير جداً...
 
مجموعة من الثغرات التي تجاهلها مشروع القانون قبل تطبيقه قابلة للزيادة وتوسيع الفجوة عند التطبيق، ونتائجها غير محسوبة وغير محضر لها، مع إهمال لحل آخر ممكن إذا كان الهدف الفعلي حماية المجتمع وليس الجباية منه عبر تحفيز المخالفين (المواطنين) بطرق لا يصعب إيجادها والاجتهاد...

بها...