فواز العاسمي فواز العاسمي

وثيقة لتنظيم البثّ أم فرمان لكمّ الأفواه؟!

لا يعرف المرء من أين يبدأ الشكر، أو على من يلقي باللائمة، فوثيقة تنظيم البث الفضائي في العالم العربي هي إسفين آخر دُقَّ في جدار الصمت الذي صدّعته بعض الفضائيات العربية،  تصديع تم بحرفية عالية(غالبا)، فالذي كان يجري التعتيم عليه طيلة السنين الماضية ويجري بالخفاء،  صار من أحاديث الصغار من العامة،  ولا يلوي عليه المثقفون أو المختصون، إذ صار البحث عن وجبات أدسم وأخبار ذات طابع تفجيري، أهم مما قيل عن خيانات الساسة وتآمر الأنظمة على شعوبها ومقاومتها وحتى على دينها!!

سيأتي يوم لن يكتفي فيه بعض أهل الفتوى إلا برجم الصحفيين!! فعبارة مطاطة من قبيل «قليل من الضوابط الضرورية» تتوهنا فلا نعرف أين تبدأ هذه الضوابط ، ولا نعي متى تنتهي وكيف، فهي كمن كبلّـك في منتصف المسافة بين السماء والأرض فلا أنت في سقوط ليبقى لك أمل بالحياة بعد الارتطام، ولا أنت في صعود نحو السماء لتنجو بنفسك من هذا الضيق.. فإن كان واضع هذه الضوابط من أهل اليمين، فطوبى إذن لمن ضم بين جنبيه قلبا دافقا بالإيمان، والرحمة لأكثر من 95 % من العاملين في مجال الفن بكل تجلياته، وإن كان واضعها(أي الضوابط) من أهل اليسار(المتشنج)، وهو لن يحدث في المدى المنظور، سنقتلع أنفسنا من جذورنا العميقة (هذا الرأي قابل للنقد بكل الوسائل المتاحة)، ما يؤسف له دائما أننا أمة فقدنا المعارك الفكرية وحتى الأدبية لصالح الحياء والخجل احتراما لثقافة (ياعيب الشووم). السؤال الذي يطرح نفسه دائما وبعد كل عملية ثأر في هذا العالم.. من المستفيد من هذه العملية؟ فعندما يتيح وزراء الإعلام العرب في وثيقتهم للرقابات المختصة بإغلاق المحطات التي تنتهك المحاذير المنصوص عليها، من مثل الزعامات أو الدول أو الرموز الوطنية، ألا تكون هذه الوثيقة هي عملية ثأر أو تصفية منظمة لهامش الحرية الذي أباحه البث الفضائي في أوطاننا؟ إلى الآن لم أستطع تحديد ما المقصود بالرموز الوطنية، وما هي المعايير التي لا تجعل من الجزيرة أو المنار، مثلا، رمزين وطنيين، وحتى قوميين..ولا تحاسِب (أي المعايير) قناة الحرة الفضائية كي نرمي حذاء في وجه مموليها.. ثم أنهم لم يحددوا ما المقصود بالأوطان أو الدول، إلا إذا كان المقصود أن رئيسا أو ملكا ما يختصر بلدا بمساحة السودان أو السعودية ليصبح هذا الوطن أو ذاك على مقاسه ..فكيف تتم مهاجمة البلدان إذا لم تكن بيد الصحافة والإعلام إلا كلمة حق يراد بها حق، فكل الضوابط التي ستُفرض أو تراعى لن تكون مجدية بحال من الأحوال ما لم يكن الجمهور الرائي يحمل في ذاته نقيضا لتلك الضوابط ، فلا نعوّل على جمهور أمة تبلغ نسبة الأمية فيها شأوا عظيما.لم أعتد أن أثني على شخص أو محطة أو أي كان لأن الفاعليات البشرية الرافعة للإنسانية، لا تنتظر منا الثناء، ولكن ما قالته شبكة الجزيرة في تقريرها ردا على الوثيقة وعلى لسان مديرها  «وضاح خنفر» يستحق التنويه والتأمل :»مواثيق الشرف الصحافية الهادفة إلى تنظيم المهنة ينبغي أن تصدر عن الصحافيين أنفسهم لا أن تفرض عليهم من قبل هيئات سياسية، وعندما يتم خرق مواثيق الشرف أو تحصل تجاوزات تتنافى وأصول العمل الصحفي، فإن القضاء المستقل هو الكفيل بالتصدي لتلك القضايا» هنا بيت القصيد المسؤولية والحرفية في العمل الصحفي وكذلك استقلال القضاء.. مع سعة أفق الأنظمة وبطانتها من المنظّرين والمنتفعين من ركود الحالة الإعلامية في الساحة العربية، فهنا يجدر القول: وراء الأكمة ما وراءها. فهل نشكر الجزيرة الفضائية ونشكر حكومة قطر ممثلة بوزير إعلامها والتي تحفظت على الوثيقة، ربما إلى حين ، أم نترك الأيام تفضح أشواقنا للحرية؟؟