خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين: شكسبير للاقتصاد السوري!

لست خبيراً أو حتى متمرناً في الاقتصاد، لكنني أعرف تماماً بأنني أحتاج إلى ثلاث ورديات عمل، كي أعبر ثلاثين يوماً من دون حفر ومطبات يغطس فيها المرء إلى ركبتيه

بالطبع هذا في الأيام العادية التي لا تحمل مفاجآت مباغتة، كأن يفرغ خزّان المازوت، أو تطل فاتورة الكهرباء بجداولها اللوغارتمية في استهلاك الكيلو واط تصاعدياً، إضافة إلى ضريبة النظافة المستجدة على الفاتورة، رغم أن النظافة تراجعت في الشارع الذي أقطن، إذ اختفت الحاوية في ليلة مظلمة. لن أذكر فواتير الهاتف الأرضي، وفواتير الهواتف الطائرة، وفاتورة الإنترنت، وفاتورة الماء المقطوع غالباً، كما لن أذكر جولاتي السياحية على البنوك لتسديد القروض بأنواعها، الشخصي والعقاري، وقرض السيارة الوهمية. ما أعلمه تماماً أنني أتخلى عن الألف ليرة قبل أن ينتصف النهار بزيارة نصف عائلية إلى السوبر ماركت والمواصلات والصحف والمقهى. لست بصدد شكوى إلى جهةٍ ما، أو من جهةٍ ما، لكنني أتحسر على حقبة الثمانينيات التي كنت أعبر الشهر خلالها بثمانمئة ليرة سورية كالغزال، بما فيها أجرة البيت في أحد أرقى أحياء العاصمة. لن أختار سعر الذهب كعينة متعارف عليها لقياس الخط البياني للغلاء، ولكن من يصدّق أن مرتبي «المحترم» آنذاك، لم يعد يعادل ثمن كيلو واحد من اللحم. أتحدث عن كائن درس التاريخ في جامعة دمشق وخبر على الورق معارك وهزائم وانتصارات لا تحصى ، لكنه لم يشتبك بمعركة أشد هولاً من معارك المعيشة اليوم بفضل اقتصاد السوق وتجلياته البلاغية ومحسناته البديعية، وخططه الخمسية التي تشبه حبلاً حريرياً لخنق أعناق البشر ببرامج مستوردة تتصرف على ضوء حركة الدولار وتمنحك مرتبك بالليرة السورية في أغرب فانتازيا نعيشها بكل رباطة جأش وبأفضل أنواع الورنيش للتلميع. لم أقرأ ما كتبته «قاسيون» تحت عنوان «كيف سيكون الواقع المعيشي للمواطن السوري في 2015»، ولم اقرأ «إضاءة(شعرية) على الخطة الخمسية الحادية عشرة»، كي لا أفقد الأمل بالمستقبل الوردي، لأنني أتوقع ليلة سوداء وكوابيس إضافية، أنا بغنى عنها، وأيضاً كي لا أفقد متعتي باكتشاف الدكتور كمال أبو ديب الذي توصل إلى أن شكسبير من أصل سوري، وأتمنى أن يكتشف أحدهم شكسبيراً في الاقتصاد السوري، لأننا أحوج ما نكون إليه في تفسير جديد لقصة الحب الخالدة «روميو وجولييت» بين المواطن السوري والحكومة؟‏