خزامى رشيد خزامى رشيد

حرب غزة والارتطام بالحقيقة

إنه التناقض أو الاختلاف على أقل تقدير في وجهات النظر وفي تحليل الوقائع والأحداث المتسارعة لحرب غزة هو ما أصاب الإعلام العربي المرئي والمكتوب، الأمر الذي يعكس تناقضا جوهريا، وانقساماً سياسياً واضحاً بين النخب السياسية  والثقافية، وما بين هذا الانقسام وذاك، وقفت  الصورة في المنتصف تعلن دموية إسرائيل وهمجيتها ووحشيتها الإجرامية الأمر الذي لم يجرؤ أحد على تجاهله أو نسيانه، ولكن هل استطاعت الصورة أن توحد المنقسمين لاتخاذ موقف موحد  لنصرة غزة؟

 الموقف الموحد لنصرة غزة و القضية الفلسطينية يبدو ضربا من خيال، إذا ما علمنا أن الممانعين ظلوا ممانعين، والمتصالحين ظلوا متصالحين، لم يتغير شيء ولم ترتق القمم إلى نقطة دم واحدة من دماء أطفال ونساء وشباب وشيوخ غزة، وصمود مقاوميها،   لم يكن بإمكان الإعلام العربي تجاوز حقيقة ما جرى في غزة، كما حصل من تعتيم في الإعلام الغربي، ولكن  الإعلام العربي ورغم  مشهدية الأيام الدامية في غزة، كشف تناقضا عميقا في التعاطي مع الجرح الفلسطيني النازف، بعض الصحف العربية أثقلها عدد الضحايا وركام المنازل المهدمة، فنزفت الكلمات من منابرها لتخلص إلى اتهام واعتبار أن الطرفين، وهما إسرائيل وحماس،  قوتان متنازعتان قد  ألحقتا الأذى بالشعب الفلسطيني، فتساوى بنظرهما  الجلاد والضحية، حيث أوغلوا  بحملة اتهامات تدين استخدام الصواريخ المسببة للحرب الإسرائيلية على غزة، وذلك بإعطائها مبررا لارتكاب ما ارتكبته، صحيح أن هذه الأصوات اتهمت إسرائيل  بارتكاب المجازر وسفك الدماء، ولكنه الصوت الذي تمادى في إعلان صفارت الإنذار من خطر وهيمنة إيران في المنطقة، حيث تحولت بوصلتهم إلى اتهام إيران  بتحريض حماس، وبالتالي تحريض يُخرج إسرائيل وبشكل غير مباشر من دائرة الاتهام الأولى، لأن إيران بنظرهم هي الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمة العربية وإن ما يحصل من مقاومة في المنطقة ليس إلا تجسيدا لمطامحها هذا بعض من أساليب تحليل بعض الصحافة المقروءة التي صدرت إبان الحر ب كالصحف السعودية والإماراتية الرسمية،  أضف إليها بعض الصحف والفضائيات. أما في الجانب الآخر فقد أتخذ الإعلام المقروء والمرئي جانبا مناقضا ومعاكسا للاتجاه الأول. وما بين  الضحية والقاتل وما بين شرعية المقاومة، أعلن البعض أن وقف إسرائيل النار على غزة أحرج حماس ومن خلفها، والبعض الآخر سماه انتصارا، وما بين التسميتين، وما بين الأسلوبين  ، اختزلت فكرتين ومشروعين وأسلوبين، وما بينهما وقفت غزة بأطفالها ورجالها ونسائها لتعلن صمودها وأسلوبها  الخاص في مواجهة المحرقة الإسرائيلية  كما عبر عنه الشاعر الكبير محمود درويش  قبل أعوام قائلا «غزة تحيط خاصرتها بالألغام.. وتنفجر.. لا هو موت.. ولا هو انتحار. إنه أسلوب غـزة في إعلان جدارتها بالحياة».

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 00:53