خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين حياةٌ بالتّقسيط

«إن التغيير الأهم الذي يمكن أن يفعله الناس هو تغيير الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم» هذه العبارة خلاصة تقرير للأمم المتحدة بعنوان «تقرير جوارانا العالمي»،

صدر قبل عقد ونصف. للأسف فإننا – عملياً- نعيش في عقلين. عقل يتطلع إلى منجز الحداثة بشغف، وآخر يرتد إلى محيطه الضيّق وكأنه يعيش في جزيرة لم يكتشفها الجغرافيون بعد. عقل يمارس كل أنواع التسليع المعولمة، ويرفض في الوقت نفسه أن يغادر تقاليد بائسة تعيق خطواته في الانخراط  بالحداثة. هذه النظرة المتشككة للتقنية الحديثة لا تمنع اصحابها من مواكبة معطياتها بكل تفاصيلها، ليقع تحت سطوة «لوغو» يبث بضاعته بغزارة بحثاً عن زبائن محتملين. ننتبه محلياً إلى تحولات هائلة ومتسارعة في ثقافة العيش، ولكن دون أن تواكب هذه الثقافة نظرة اجتماعية إلى متطلباتها، فعقلية «الدكنجي» بقيت تدافع عن نفسها في قلب «المول» الذي بات جزءاً من نظرية التسوّق. نذهب إلى «المول» للفرجة على عالم مشتهى، ونصعد سلالم كهربائية، ومصاعد مكشوفة، وواجهات مغرية، لكن ما أن تنتهي هذه «النزهة» حتى نعود إلى قواعدنا سالمين بكامل عدتنا القديمة، بمعنى أننا نعيش حياةً مستعارة تمزج في زمنٍ واحد، البهجة القديمة للتجوال في سوق الحميدية، وبهجة نيون «المول» الفاقع. بهجة «بوظة بكداش» و«همبرغر» مطاعم الوجبات السريعة. سكتان تعبران دماغ واحد تجعلانه يعيش حياةً مضطربة، ونظرة مشوشة لمعنى وجوده وقدرته على الانسجام في هذه المعطيات الطارئة، والأخرى المترسخة تاريخياً.وتزداد المعضلة أكثر حين يسعى هؤلاء الناس إلى «تقليد» هذا النمط من العيش بدخل محلي بائس يمد عنقه إلى «بضاعة» ليست معروضة من أجله، فيقع أسير مشية عرجاء بين أزقة ترابية غادرها للتو، وواجهات برّاقة يقف أمامها الآن، تدعوه بإلحاح أن يكون شخصاً معولماً بامتياز. هناك إغراءات المصارف الجديدة التي تدعوك للحصول على قروض ميسرة، وما أن تقع في الفخ حتى تجد نفسك في حفرة عميقة يصعب الخروج منها، فأنت تعيش بدخل «اشتراكي» وتعيش حياة اقتصاد السوق. تغرق في ثقافة «الجنوب» وتندفع من دون هوادة باتجاه ثقافة «الشمال». هكذا باتت «الحياة بالتقسيط» قدراً لا مفر منه، وكأن المواطن قد رهن نفسه للآخرين إلى الأبد!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.