عظماؤنا من وجهة نظر الدراما السورية..أزمة استسهال

استهلك فيلم غاندي للمخرج العالمي ريتشارد أتينبرو والبطل بن غينغسلي عدة سنوات من العمل قبل أن يصبح النص في يد مخرجه، ليستمر التصوير أيضاً مدة طويلة حتى نرى هذا المنتج السينمائي الضخم، ويدخل عالم الأوسكار لينال ثماني جوائز منها أفضل مخرج وأفضل نص وأفض ممثل، وكذلك أغلب أفلام السير الذاتية مثل «ماوتسي تونغ»، و«مذكرات سائق الدراجة» الذي يتناول حياة تشي غيفارا، و«باخ»، و«مودكلياني» وسواهم.. بحيث أن المنتج الذي يقترن باسم عظيم يجب أن يحقق حضوراً عالمياً خالداً، وعظمة فنية توازي عظمة الشخصية التي يتم تقديمها.

وعلى الصعيد المحلي وبعيداً عن ثورة السينما العالمية وقريباً من ثورة الدراما السورية.. نجد أن الغرور الذي ساد الوسط الدرامي السوري انسحب على إعطاء الدراما السورية أحقية فكرية وأخلاقية في تناول أي شخصية عربية تريدها، فأصبح موضوع تناول السير الذاتية لعظماء الفكر والتاريخ العربي موضوعاً أقل من سهل، بالنسبة لعظماء الدراما!! فعلى اعتبار أن هذه الدراما باتت سلعة كثيرة الاستهلاك على الصعيد العربي، بات بإمكان المنتج أن يسهم في تعميم شهرتها والإقبال عليها من خلال ربط اسمها بأسماء خالدة في تاريخنا، فنرى في كل عام ـ بكل بساطة وأريحيةـ  مسلسلات معنونة بعنوان «جبران خليل جبران»، «نزار قباني»، وشخصيات تاريخية مثل «أبو جعفر المنصور»، «خالد بن الوليد»، بحيث يتم تقديم المنتج ليمر مروراً عابراً دون أدنى تعليق، وهذا يعود لسببين، أولهما فقدان التميز، وثانيهما التزام كتاب ومخرجي تلك الأعمال بالسيرة المعترف بها خوفاً من الخوض في النقد والمهاترات وهذا بطبيعته نوع من الاستسهال، بحيث تنعدم الفكرة والجدلية والحدث من تناول الشخصية، فيسود الجمود والالتزام الحرفي جو العمل.. لنصل فقط إلى أن نقول الدراما السورية أرّخت خالد بن الوليد وأبا جعفر وتناولت سير كبار مثل نزار قباني وسواه.

والمشروع الجديد الذي يتصدر الصحف حالياً هو مشروع مسلسل حول «شخصية الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش» من كتابة حسن م يوسف وإنتاج وبطولة فراس إبراهيم، وهنا لا نحكم مسبقاً على العمل بالسوء وإنما ننوه إلى هذه القرارات السريعة بإيجاد المخرج والبطل وكأنهما تحصيل حاصل أو أن شخصية محمود درويش وقامته غاية في سهولة الطرح والنقاش، فيلعب فراس إبراهيم شخصيته دون أن يرف لأحد جفن، ودون أن نجد أسماء مرشحة للعب هذه الشخصية، أو حتى عدة مخرجين يتنافسون على النص، وهذا طبيعي ما دام الهدف في النهاية هو الوصول إلى مسلسل يتناول محمود درويش لا أكثر ولا أقل، بحيث لا يأخذ هذا المنجز طابع المشروع ولا يهدف إلى إنجاز يرقى على مستوى الشخصية أو يجسد في محرابها على أقل تقدير، كما سبق وعرضت الدراما جبران ونزار قباني وسواهم.

يبدو أن هنالك من أتاحت له مخيلته أن يتصور أن جزءاً من الخلود الفني الذي تحدث عنه درويش من الممكن أن يتحقق من خلال استحضار الشخصية في هيئة عمل درامي سوري.

لنعترف بالواقع ونتخيل الآن بطل العمل مع احترامنا له كممثل يعتلي منبراً محاولاً تمثل شخصية درويش ويقول:

سأصير يوماً طائراً  وأَسُلُّ من عَدَمي

وجودي، كلَّما احترق الجناحانِ

اقتربت من الحقيقة، وانبعثت من

الرمادِ.. أَنا حوارُ الحالمين، عزفتُ

عن جسدي وعن نفسي لأكمِل

رحلتي الأولى إلى المعنى، فأَحرقني

وغاب.. أَنا الغياب. أَنا السماويُّ

الطريدُ..