مطبات: اقتراحات مجلسية.. حضارية

من الطبيعي أن نعترف أننا نتجنى في بعض الأحيان على بعض مسؤولينا من دون وجه حق، ونحمّلهم فوق طاقاتهم بكثير، كما أننا نسيء الظن بهم على اعتبار أنهم يهملوننا بعد أن صاروا مسؤولين عنا، وكانوا من قبل مواطنين كحالنا.

ولكن بقليل من التمعن، والتروي، وقراءة ما يصدر عنهم، وما يقولون عن مشكلاتنا في اجتماعاتهم، ومجالسهم، نتأكد من تجنينا، ومبالغتنا في ظلمهم، وسوء الظن بهم.

ففي الاجتماع الأخير الذي عقده مجلس محافظة دمشق ما يؤكد اهتمام أعضائه، ويؤكد مبالغاتنا، إذ يقول الخبر إنهم تقدموا بعدة مطالب منها تخفيض الرسوم في فاتورة الكهرباء، ووضع حد لعمل مقاهي الانترنت حتى ساعات متأخرة، وعدم ترسيم السيارات التي لا تحقق شرط الجاهزية.

أسألكم بالله الذي جلت قدرته أليس هذا الأمر يعنينا كمواطنين؟ أوليست هذه المطالب مطالبنا؟ ألم نشكُ من الضرائب التي تحصّل مع فاتورة الكهرباء، ألم نشكُ من ضريبة النظافة العالية التي لا منطق لها، ألم نقل إن الضرائب على فاتورة الكهرباء أكبر قيمة من فاتورة الكهرباء نفسها؟.

أسألكم بالله مرة أخرى، ألم نطالب بتحديد عمل مقاهي الانترنت، وغيرها من المقاهي التي تسهر حتى الصباح، وتقدم الأرجيلة للمراهقين، وكم من مرة كتبنا وأزبدنا عن ضرورة عدم الترسيم للسيارات التي تنفث السم في هوائنا، وتتسبب في ارتفاع إصابات السرطان في بلادنا. ما طرحه أعضاء مجلس المحافظة هل يخرج عن مطالبنا كمواطنين وإعلاميين، ومع ذلك ينبري بعضنا للومهم، واتهامهم بالتقاعس، طبعاً باستثناء بعضنا ممن يرون الأمور من العمق.

يتابع الخبر: (وخلال اليوم الثالث للدورة العادية الرابعة، ناقش الأعضاء تقارير المكتب التنفيذي لقطاعات المالية والشرطة والنقل والمرور والاتصالات، داعين إلى وضع إشارات تحذير بمعايير عالمية على الطرقات التي تشهد عمليات حفر وترميم، ورفع مستوى أغطية الصرف الصحي التي تسبب الضرر للسيارات، ولم ينسوا المطالبة بإزالة «سوق الحرامية» تجنباً للسمعة السيئة التي يتصف بها). بربكم.. أليست هذه دعواتنا، ألم يسقط بعض المواطنين قتلى لعدم وجود إشارات تدل على أعمال الصيانة والحفر في أمكنة عدة، أو لكون هذه الإشارات غير واضحة، أو غير موجودة في أولويات متعهدي أعمالنا، أما سوق الحرامية ألا يعتبر وصمة عار في مدينة كدمشق، سوق مفتوح للصوص لبيع مسروقاتهم على الملأ.

كما أن هؤلاء الأعضاء تطرقوا إلى قضايا كبرى وشائكة، ومشاكل تخص الأرض التي نقف عليها،  التراب الذي نمشي على صعيده، ويتابع الخبر: ( وتساءل أعضاء المجلس عن المراحل التي وصل إليها مشروع مترو دمشق، ومصير محطات التحلية التي تعاقدت عليها المحافظة، ومشروع جر المياه من الريف إلى المدينة). ألم نفضح الدنيا بمشكلات النقل العام، وعيوب الباصات والسرافيس، والطرقات الضيقة، وأن شركات النقل الخاصة لم تحل أزماتنا بل عقدتها، واتهمناها بابتزازنا، وأنها تريد الربح فقط، ألم نقل بأن المترو هو المشروع السحري الذي سيلغي المشكلة، ويوسع علينا في نقلنا وترحالنا، ألم نملأ الدنيا صراخاً بكوننا عطشى، وأن المياه تصل إلى بيوتنا كل ثلاثة أيام، ويغالي البعض فيزيد المدة إلى أسبوع، وأن التلوث ينال من مياهنا، وأن الصرف الصحي يختلط معها فيسممنا، وأن المدينة القاحلة يمكن أن يعينها شقيقها الريف من فائض مياهه العذبة؟

بالله عليكم ألا نظلم هؤلاء المسؤولين حين نتهمهم بالتقصير، ألسنا متطلبين أكثر من اللازم، ألسنا طماعين، ولا نرحم أحداً، ونزيد من أعبائهم.

لكن بعد هذا النقد الذاتي الذي يجب أن نمارسه على ذواتنا.. يبقى من حقنا سؤال واحد، ألسنا نسمع بهذه المطالب منذ زمن طويل، وقصة سوق الحرامية، والمترو، والمياه، والمقاهي، والضرائب، وسواها.. هي نفسها مطالبنا القديمة التي لم تتحقق، وتناقشها المجالس وسواها كلما اجتمعت.. أما آن لهذه المطالب أن تتجدد، وببعض المغالاة.. تسقط من جداول هذه الاجتماعات.