عن الشهداء

مهيباً كان عرس الشّهداء في المخيم، مهيباً لأنكَ تعرف الشهداء عن كثبٍ، وتعرف كيف ماتوا عن كثبٍ.. وقبلها كنت تعرف أية حياة كانوا يعيشون، وفي أي البيوت يسكنون..

كنت تعرفهم وترى في ملامحهم ظلال أحلامهم بحياةٍ أقلّ وطأة وأكثر عدالة بقليل..

هذا طالب قضى حين كان يجب أن يكون في قاعة الامتحانات في اليوم التالي، ليقدم امتحان الفلسفة بينما جسده الغض آثر أن يُقدّم امتحان الوطن بلا فلسفة... هو لم يقرأ الطروسي بطل «الشراع والعاصفة» حين قال: «أنا وطني بلا فلسفة».... تلك مشكلة الطروسي والجيل الذي يمثله.. أما جيلك يا صاح هو الجيل الذي يجب أن يجترح فلسفته، ورؤيته للوطن كي لا يلقى مصير أجيال الهزائم والضياع....

وذلك موظف لديه ولد وزوجة حامل، ظل سنين طويلة يغمض عينيه ويحلم بفرصة واحدة لمواجهة العدو، ليقول لأطفاله حين يكبرون: «لقد بذّلتُ ما بوسعي».. الآن لن يقول لهم ذلك بطريقة تقليدية، حيث الأول يحكي والآخرون يستمعون بإنصات أو بملل، بل ستكون المسألة مختلفة لأن الأب هو الحكاية نفسها.

المخيم الصغير خرج عن بكرة أبيه لاستقبال جثامينهم الطاهرة. ودّعهم في احتفال اختلطت فيه الزعاريد بالدموع برشات الأرز والورود.. وبالرصاص الطائش الفاقد لبوصلته تماماً..

فكّرتُ، بينما تعبر الجنازة، إنّ المستقبل موتٌ.. قلتُ هي بداهة لا تقبل نقاشاً، أليسَ القبرُ هو الآخِرُ الأخيرُ..؟؟ سنموتُ، اليومَ أو بعدَ قرنٍ.. كلّنا سنموت.. لا أراها مشكلة، المشكلة فقط أن يكون الموت حلّ المشكلة...!! والمشكلة أن تبقى هناك مخيمات ولاجئون...!!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.