ظرفاء ولكن..

الاستعراض الكبير للفتنة

باتت قناة «وصال» الفضائية تحظى بمتابعة كبيرة حين خصصت جل وقتها للشأن السوري. القناة الموجودة أصلاً لغرض تأجيج صراعية الفرق الإسلامية استمرت على نهجها ذاته في الحراك السوري، وهو ما يسقطها في حضيض الحضيض. الشخصية الأبرز التي تقدمها «وصال» هي شخصية الشيخ عدنان العرعور، الشيخ الذي أخذ على عاتقه مهمة شحن الهمم والحض على الثورة.. فتراه ينادي أهالي المناطق السورية، وتراه يدعو لهم دعاءه المبارك.

طبعاً.. لا تفوت المشاهد طرافة هذا الشيخ، فحيث يتحدث بمنتهى الجد والجدية تأخذ طريقته منحى كوميدياً على الأغلب، فبطريقة استعراضية يغادر مقعده ويخاطبنا عبر الكاميرا، وبالطريقة ذاتها يحادث مراسليه: «أبو أحمد» و«أبو محمود»... المتصلون يبايعون الشيخ وهو يرفض فـهذا أمر سابق لأوانه.. المتصلون يمدحونه وهو يزجرهم بعنف، فهم كثوار من يستحقون المديح وحسب.. وبين هذا وهذا تمر سموم الفتنة، وأوبئة الطائفية.. وكأن الصراع الجاري يعود إلى زمن الخلفاء الراشدين..

العرعور نافس نجوم «قربت تنحل» وسواه من البرامج السياسية التي يتميّز بها اللبنانيون، ليحوز بذلك على المكانة التي حازها، عبر فهمه لجوهر فن الاستعراض.. وأي استعراض؟ إنه استعراض التقسيم القتنوي في السيرك الدموي، والمحصّلة الإساءة لمعنى ما يجري، وتسخيف كل الدماء التي سالت..

من يشاهد العرعور سيضحك كثيراً كثيراً.. نعم سيضحك، لكن الجميع يعرفون أن «شر البلية ما يضحك»!! 

ملك الأكشن

كان الظهور اليتيم لـ «أبو نظير» على شاشة التلفزيون السوري كفيلاً بتحويله إلى شخصية عامة، رغم أنه قُدّم كعضو في خلية إرهابية!

ربما لم تكن الخبطة الإعلامية التي حققها الرجل ضمن حسابات من سجلوا اعترافه، فالمطلوب منه هو تأكيد الرواية الرسمية في ذهابها إلى انتشار ما يسمى بـ«العصابات المسلحة»، لكن المجرم الذي تحدث أمام الكاميرا بدم بارد عن نشاطاته «الإرهابية» كمن يتحدث عن مشاجرة، بدا، رغم مأساوية ما رواه، وكأنه مهرجٌ يروي روايةً مثيرةً للضحك، تصلح لتوضع في فواصل تلفزيونية ضاحكة..

استطاع أبو نظير، ببراعة يحسده عليها الممثلون، تقديم نفسه كمجرم جميل، لا يختلف عن شخصية «أبو عنتر»، وإذا كانت اللازمة اللفظية لدى «أبو عنتر» هي: «عرضية.. ما لها فكاهة..»، فلدى أبو نظير لازمة لا تقل قوةً وجدة: «ربي يسّر».

عرفناه رجلاً يدعم رواية محددة، فإذا به يقودها إلى مسار آخر، ومنحى مختلف.. حتى بات الاحتفاء الكبير يتم به شخصياً في صفحات الإنترنت وأحاديث الناس، بغض النظر عن هويته وأفعاله التي أعلنها على الملأ..

الجميع الآن يتحدث عن الشخصية لا عن قصتها، عن طرافتها لا دورها وسياقها.. ولعل ظاهرة «أبو نظير» بحد ذاتها تصلح لتكون سؤالاً شعبياً بخصوص الرواية!!