«الاعتدال والتطرف» كلاهما «إسلام سياسي»..!
فارس اللحام فارس اللحام

«الاعتدال والتطرف» كلاهما «إسلام سياسي»..!

تميز الحديث السياسي الغربي حول «إسلام متطرف» بخفوته في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مع تشكل حركة طالبان والحركات الشبيهة بها. الخفوت إياه كان «مبرراً» في حينه باستخدام الغرب لهؤلاء المتطرفين في مواجهة الاتحاد السوفياتي.


ي وقت لاحق، ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، وحاجة الغرب والولايات المتحدة لـ«اختراع عدو جديد»، على حد توصيف المستشرقة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافليتو، بدأ الصوت يتعالى ضد «الإسلام المتطرف»، وخاصة بعد سبتمبر 2001، واشتقاقاً من وجود «إسلام متطرف» كان من الضروري الحديث عن «إسلام معتدل» يخرج حلفاء الولايات المتحدة المباشرين من تحت النار.
منذ ذلك الوقت وحتى الآن، لا تزال عملية الاشتقاق والتأويل بين معتدل ومتطرف تأخذ أبعاداً ومعانٍ إضافية تتغير بتغير الظرف، فالـ«اعتدال» لم يبق مرتبطاً بالإسلام والموقف من الحياة الدنيا وأساليب الحكم، بل تعدى ذلك ليصبح تعبيراً عن «محور عربي» بدأ بنقل عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى العلن.
من جهة ثانية، بدأت الحركات السياسية الإسلامية، والإخوانية بشكل أساسي، تخلع على نفسها لبوس «الاعتدال» كمقابل لتطرف «القاعدة» ومشتقاتها، والغرب لم يبخل بتطريز لبوس الاعتدال هذا بتعميده والاعتراف به جهراً حيناً، وسراً أحياناً.
على ضفة أخرى، تبنت مؤسسات دينية رسمية في بلدان عربية وإسلامية عديدة، خطاباً تصف نفسها به بأنها ضمن تيار «الإسلام المعتدل»، وهي مؤسسات ملتصقة بالسلطات والحكام في بلدانها، هؤلاء الحكام الذين دخلوا لعبة التسميات والاصطلاحات أيضاً، وفي تساوق مع الغرب ومع مصالحهم، ليصفوا أعداءهم بالتطرف وأنصارهم بالاعتدال..
بالمحصلة فإنّ التيارين كليهما: «الاسلام المعتدل» و«الإسلام المتطرف»، ذلك إن أمكن الفصل بينهما حقاً، ليسا أكثر من تيارين في نهر واحد هو نهر «الإسلام السياسي» المرتبط أشد الارتباط بمصالح الحكام والسلطات، الغربي منها والمحلي، و«الإسلامان» كلاهما منقطع عن «إسلام الناس» الطبيعي، إسلامهم الديني والعقائدي الذي يمارسون وفقه شؤون عبادتهم بمعزل عن أمور السياسة والحكم.
نقول أن «المعتدل» و«المتطرف» كلاهما «إسلام سياسي» لأن ما يوحدهما في العمق هو قولهما بمبدأ «الحاكمية» الذي يفسرونه بضرورة إقامة حكم الله المستند في نهاية المطاف إلى طريقة تفسيرهم وتأويلهم هم للنصوص الدينية، أي أنّ كلاً منهما يستهدف الإمساك لا بالسلطة الروحية فقط بل وبالسلطة الزمنية- السياسية أيضاً، وهما لذلك «إسلام سياسي» بمظهرين مختلفين.
الفرق الوحيد بين المعتدل والمتطرف، أنّ المعتدل يقول بأن حاضرنا هو «زمان دعوة» وليس «زمان حاكمية»، ولكن دعوته تلك ليست إلّا الدعوة للحاكمية، بما يفسر دور تنظيم الإخوان المسلمين العالمي بفروعه العديدة كمحطة عبور وإعداد أساسية باتجاه انخراط الشباب في تنظيمات من شاكلة القاعدة سابقاً والنصرة وداعش وبوكو حرام وغيرها حالياً..
إنّ ما يزيد المسألة تعقيداً، هو طريقة الدعاية الغربية ضد الإسلام عموماً بذريعة الدعاية ضد «الإسلام المتطرف»، وهو أمر يتقصده الغرب ضمن استراتيجية «صراع الحضارات» الغرض منه تنمية صفوف «الإسلام المعتدل» مشكلاً بذلك ثنائية وهمية بين المعتدل والمتطرف، الهدف النهائي منها تغذية صراع مستمر بالتوازي مع الإجهاز على التدين الطبيعي، تدين الناس الطبيعيين الذي يمارسون اعتقاداتهم بعيداً عن السياسة وشؤونها.
إنّ هذا النهج الغربي الذي يخطط لكل من الفعل ورد الفعل ليصبا في نهر مصالحه الواحد، يستهدف تعزيز انتماء الشعوب الإسلامية إلى هويتها الدينية، لا بوصفها هوية حضارية وإنسانية ضمن هويات حضارية وإنسانية أخرى، بل بوصفها هوية مستهدفة ومعادية ينبغي لها تحشيد قواها باستمرار للمعارك المستمرة والقادمة مع الهويات الأخرى، وهو ما يعني ضمناً «تضامن وتعاضد» الصالح والطالح في «الأمة» ضد الصالح والطالح في «الأمم الأخرى»، الأمر الذي من شأنه الإبقاء على أسباب التبعية والتخلف المتمثلة في سيطرة طبقات نهّابة وتابعة للغرب في معظم البلدان الإسلامية..

آخر تعديل على الأحد, 05 حزيران/يونيو 2016 13:02