بشير العاني: وجدتَ قبراً لرفيقة دربك.. أين قبرك؟

بشير العاني: وجدتَ قبراً لرفيقة دربك.. أين قبرك؟

«ياأماني، ما يخفف عني أني استطعت أن أحفر لكِ قبراً وأن أهيل التراب على جسدك الجميل، بلى، هذا ما يخفف عني الآن وأنا أراقب الأجساد المعلقات على الأعواد بانتظار شفاعة الأمهات كيما تترجّل، هذا إن بقيت للأمهات هذه الأيام شفاعة لدى أمراء الحرب، وبالذعر البشري الذي تستطيعه روحي أفكر بالجثث المرمية في المدن والمزارع والبلدات، جثث برؤوس وبلا رؤوس،  من سيأبه بها أكثر من القطط والكلاب الشاردة، والحقَّ أقول لكم، لا حقّ لحيّ إن ضاعت في الأرض حقوق الأموات»

 

 

بهذه الكلمات نعى الشاعر الفراتي بشير العاني رفيقة دربه زوجته أماني التي أودى المرض بحياتها، وكان عزاؤه أنه وجد لها قبراً وأهال التراب على جسدها الجميل..

اليوم نعاك الكثيرون، نعتك الأقلام والصفحات، لكن لا قبر لك لنهيل عليك حبات من تراب الوطن، وشيء من محبتنا، ومما بقي من عواطفنا التي تشتت ما بين أنحاء الوطن وأنحاء المعمورة حيث تشتت السوريون وهم يبحثون عن ملاذٍ آمن ينقذهم من الأوهام والوحوش الفاشية التي أحاطت بهم من الجهات الست!

يعد العاني من أبرز شعراء محافظة دير الزور، ولد عام 1960، وحصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة الزراعية.

لم يغادر بشير العاني مدينته دير الزور. أراد أن يحرس قبر رفيقة دربه بعد صراعها الطويل مع المرض العضال. بقي على مقربة من الفرات غير عابئ بحصار التكفيريين لمدينته، إلى أن وقع بين أيديهم. كانت التهمة جاهزة بالنسبة إلى شاعر مثل بشير، وهي «الرّدة».

وأعدم «تنظيم داعش» الشاعر محمد بشير العاني ونجله إياس، في مدينة دير الزور، بحسب ما أبلغ عناصر التنظيم ذوي الشاعر، الخميس 10 آذار2016.

وكان الراحل عضواً في اتحاد الكتاب وأصدر ثلاث مجموعات شعرية هي «رماد السيرة» الصادرة عام (1993)، و«وردة الفضيحة» (1994)، و«حوذي الجهات» (1995). وقد تميّز شعره بنبرة غنائية تحمل وجع الفرات وعتابا الصحراء وبلاغة الضّد، وحاول ابتداع ألفاظٍ  تخصه. وشارك بأمسيات شعرية في غالبية المحافظات مع مجموعة من شعراء وشاعرات الفرات كالشاعر محمد حداد والشاعرة سميرة بدران، كذلك مع زملائه من أعضاء اتحاد الكتاب في دير الزور ومنهم القاصين إبراهيم خريط ورشيد رويلي اللذين سبقاه في الرحيل نتيجة الحرب المجنونة التي تعصف بسورية ودير الزور خصوصاً.

وكان آخر ما كتبه قصيدة بعنوان «تغريبة الخاسر» جاء فيها:

 «لهكذا حزن، أسرجتني أمي

يا عكازَ وقتي الكفيف..

ويا مقاعدي على أرصفةِ التعبِ الطويل

هـا أنـا

أنا العاثرُ بجماجم اتزاني

الشاغرُ إلاّ منكِ

أبحث عن صرّةٍ لملمتِ فيها أوجهي التي انسربت

لملمتِ فيها براءتي

خسائري

أنا الذي قايض الطمأنينة بالهزائم»

صديقي الذي اغتالتك وحوش الظلام الفاشية داعش، بشير العاني الشاعر الفراتي المرهف، السلام لروحك..