عبد الإله عبد القادر عبد الإله عبد القادر

الشعر المحكي

 في العراق ومنذ أن تعرف الإنسان على الحرف كان الشعر وما زال هو لغة يومية يمارسها العامة والخاصة على السواء، في الأفراح نجد الشعر سيد المحتفلين، وفي الأحزان نجد الشعر يطرز حزن الناس، وفي الفخر نجد الشعر لغة الرجل البسيط.. وقد وقف الشعر العامي والمحكي جنباً إلى جنب مع الفصيح :

هلي يا لمالبسو خادم سَمَلَهُم

وبجبود العدى طايح سمالهم

إن جان أهلك نجم أهلي سمالهم

وكثير من النجم خر وطاح ... بوية .. بوية

في الأعراس يحتفل أهل الجنوب بالحدث أياماً بين حنة العروس ويوم خطبتها.. وليلة الدخلة وما إلى ذلك من تسميات للاحتفالات، غير أن النسوة وهن شاعرات بالفطرة يرتجلن البيت والبيتين بالمناسبة.

نذرك يا شيخ أدخيل نوط أبو المية

من أفز والكي هواي غافي على ايديه

ولأن الربيع جميل والناس تنام على سطوح المنازل صيفاً وربيعاً تقول واحدة من الشاعرات المجهولات اسماً.

كون أنه نجمة ليل واسقط على اغطاك

وبحجة البردان واتلفلف وياك

أو قول آخر لشاعرة مجهولة أخرى :

برد الصبح كرصات لفني بعباتك

وبساعة الشيطان؟ أنت ويه ذاتك

إن شعر العامية في العراق يمتد بعيداً عبر التاريخ، ويختلف الباحثون بتاريخ بداياته وتطوراته غير أن الدكتور مصطفى جواد كان يؤكد أنه بدأ تقريباً في القرن الثالث عشر الميلادي أو أبعد..

غير أن بعض الباحثين يجد أنه بدأ في عصر البرامكة في زمن الخلافة العباسية. ويروي د. مصطفى جواد في هذا الصدد حكاية عن مغنٍّ بغدادي أشتهر في تلك الفترة وذاع صيته بين الناس إلا أن سوء حظه وطالعه أن يكون أخوه متديناً وقوراً عرف بحكمته وبوزنه الاجتماعي والديني، إلا أن الناس انقسموا في تقييم هذا المغني بين ذمه مقارنة بأخيه المتدين، والإعجاب به وبفنه الغنائي عند البعض الآخر، ولم يستطع الصبر على هذا الانقسام فغنى من شعره :

غلطان من شبّه الجزعة على الدرّه

وقاس (.... ) على مستحصنة حره

آني مغني .. واخي زاهد فرد مره

بيرين في دار ذي حلوة وذي مره

لقد انتشر شعر العامية في الأوساط الاجتماعية على مختلف الطبقات في العراق، بل إن معظم شعراء الفصحى الأعلام كانوا يكتبون بالعامية أحياناً إرضاءً لذواتهم وتقرباً من جماهير أحبتهم وأحبت شعرهم أمثال مظفر النواب ولميعة عباس عمارة التي تقول متغزلة بدجلة.

أشتاق إلك يا نهر/ يلبردك الجنة/ صفصاف شعري هدل/ وبمايك اتحنه / لزني على صدرك .. هلا/ وسكته .. وهلا .. وونه/ وطوّل ما دام الحلم/ ما ينشبع منه