حسام زيدان حسام زيدان

أدب السجون ألم ومعاناة 1/2

لا ينفك الحديث عن أدب السجون والمعتقلات الصهيونية،  دون المرور ولو بالخيال على سرادق الألم ووحشة الظلام، والحزن وابتلاع سنابل الدمع مع الكثير من الأحلام، ولا تنفصل عنا رطوبة الزنازين والسراديب، بعد أن أصبح ما كتبه المعتقلون والأسرى الفلسطينيون في المعتقلات الصهيونية صورة حية وواقعية للمعاناة التي مروا بها وعايشوها، ولم يكن هذا الأدب متنفساً عن حالة اختناق أو تفريغ لحالات البطولة على ورق، بل كان يمثل عمق التجارب الإنسانية وأبعاد إيديولوجية وكفاحية.

 

وشكل النتاج الإبداعي في زنازين القهر الصهيونية، واجهة الصراع الإنساني والسياسي في القضية الفلسطينية، بعد أن تصدرت واجهة الأدب المقاوم، لفضحه مختلف الأساليب اللاإنسانية المتحكمة في سلوك السجان الصهيوني، كونه الأغنى والأكثر شمولية وزخما من حيث الكم والكيف بين تجارب الشعوب وحركات التحرر على مستوى العالم، وامتداد للجذور في تاريخنا الفلسطيني، وفي التاريخ العربي والعالمي.

إن أدب السجون والمعتقلات في فلسطين، كان أهم من حالة توثيق لما يعيشه الأسير والمعتقل داخل الزنازين من سحق لكرامته مروراً بكل حالات التعذيب التي يتلقاها، بل أنطلق ليكون أدبا وطنيا مقاوما يمجد النضال ويرفض واقع القيد والاحتلال، ويُعدّ من أصدق أنواع الكتابة سواء كان ذلك على مستوى النثر أو على مستوى الشعر، واختلفت التسميات حول النتاج الأدبي في باستيلات العدو الصهيوني، فذهب البعض لتسميتها «الأدب الاعتقالي» وحرص آخرون على صبغها بمفاهيم إيديولوجية فأطلقوا عليها تسمية «الأدب الأسير» وذهب آخرون إلى تسمية «أدب السجون»، ولكن الجميع مجمعون أنه يندرج تحت عنوان الأدب الفلسطيني المقاوم، لتميزها ضمن المشهد الأدبي الفلسطيني، لأن ابداع الأسير الفلسطيني وليد تجربة نضالية كون الأسير بالأصل هو شخصاً ثائراً، والإبداع الحقيقي ينطلق من ثورة، وتمثل السجون والمعتقلات تجربة أليمة تستنهض الأديب لإخراج كل ما في جعبته حبرا على ورق، ويحلق كي يمنح المتلقي القدرة على الإطلال على حياة الأسير النفسية والإنسانية وتجربته النضالية.

وتميزت الحالة الفلسطينية عن مثيلاتها في الحالة العربية والعالمية، بأنها الأغنى من حيث الكم والكيف بين تجارب الشعوب وحركات التحرر على مستوى التاريخ، ويعود ذلك إلى ارتباطها بعدالة القضية الفلسطينية وعمق توحدها مع الهم الإنساني، بالإضافة إلى طبيعة الاحتلال الصهيوني الذي تعرضت له تلك البقعة من الأرض، حيث لم يبق شعب من شعوب العالم تحت الاحتلال غير الشعب الفلسطيني، فهو الاحتلال الأطول في التاريخ، مما ساعد على إطلاق الحركة الثقافية داخل السجون والمعتقلات، فتحولت تجربة الاعتقال إلى مدرسة نضالية حقيقية، ومدرسة تثقيف وتعليم ذاتي للأسرى، وكانت قلاع ثقافية يرصد من خلالها مجمل الحركة الثقافية والأدبية الفلسطينية، وأضحت الرافد الحقيقي للنتاج الأدبي الفلسطيني، ونشأت حركة تبادل ثقافي مع الخارج بالرغم من الإجراءات التعسفية لسلطات الاحتلال الانكليزي وبعده الصهيوني، لكن لم تمنع تلك الإجراءات أن يصدر الإنتاج الأدبي للأسرى للخارج خفية عن سجانيهم، فاستخدمت كبسولات محشوة بورق الزبدة لتهريب كتاباتهم كرسائل إلى خارج المعتقل، حيث يقوم الأسير الذي قاربت مدة محكوميته على الانتهاء ببلع كبسولات قبل ساعات من الإفراج عنه تحتوي بداخلها أوراقا ورسائل مكتوبة بخط صغير الحجم، ثم يقوم بعد الإفراج عنه بإخراج هذه الكبسولات.

وساعدت عمليات تبادل الأسرى التي تمت بين حركات المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، النتاج الأدبي للأسرى الفلسطينيين من إخراج الكثير من منتوجها الأدبي والثقافي إلى خارج المعتقلات، ولم تقتصر التجربة الأدبية الفلسطينية في المعتقلات والسجون على فترة الاحتلال الصهيوني، بل بدأت منذ فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين، وكان أول كتاب فلسطيني وَضع حجره في أدب المعتقلات هو الكاتب «خليل بيدس» الذي كتب كتابا بعنوان «أدب السجون» أثناء فترة اعتقاله في سجون سلطات الانتداب البريطانية في فلسطين، وللأسف لم تصل لنا نسخة من هذا الكتاب بسبب أحداث حرب عام 1948، كما وثق الشاعر إبراهيم طوقان الشهداء الثلاثة «عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي» الذين أعدمتهم سلطات الاحتلال الانكليزي عام 1930 عقب ثورة البراق، واستخدم المعتقلون الفلسطينيون جدران الزنازين لتسجيل إبداعاتهم، ففي عام 1937 كتب الشاعر الشعبي «عوض» على جدران زنزانته، أبياتا شعرية تعبّر عن مدى المعاناة التي يعانيها الأسير، وصور القهر والألم جراء تخاذل العرب عن نصرة فلسطين، وذلك قبل أن تنفّذ فيه القوات البريطانية حكما بالإعدام، فترك للتاريخ وثيقة مهمة على المستوى النضالي والإنساني.