عنصرية الطين.. الفقر يمارس لونه على قدمين

الصورة ليست محلية فهنا يمارس الطين فينا لعنته بطريقة أخرى، فهوى العالم واحد، والفقراء يشبهون بعضهم من مدار الاستواء حتى أولئك المتراكمين على جسور المشاة المعلقة على شوارعنا.

هاتان قدما رجل أسود، ولطالما حملتا الخنازير، والبيض تحت سياط رعاة البقر على ظهر كونتا كونتي المحمول على ظهر سفينة العالم الجديد، ومارستا هواية الركض وراء قطعانهم الهائجة نحو برك الماء في سهول القارة الجديدة المغتصبة.

تختلف الألوان تحت الشمس، فالبشر الذين تناسلوا من أب واحد وأم واحدة لونتهم الشهوات والرغبة، ولكن الشمس مارست سطوة اللون الأخير على وجوههم، وأما الغيم فأعطى النعمة والبياض لسكان مدار السرطان بعنصرية العدل، ورغبة التمييز.

لم يكن الشمال جهة عادلة حتى في البلد الواحد الأسود، ولم يكن الجنوب أين كان سوى تجمع للمظلومين والتعساء، وها هنا على خارطة العرب التي تتسع لأربعة عشر مليوناً من الطين يعيش الجنوب إما منزوعاً أو محتلاً ومظلوماً.

الطين ليس واحداً.. ألم يمت المصريون الحفاة وهم يبنون الأهرامات الخالدة لكي تنام فيها جثث آلهتهم، ورسم فنانو بلاطات الفراعنة الفقراء على الجدران قصص قرابينهم الأنثوية ليبقى النيل فائضاً لاغتسال التزاوج ، وانتصارات الملوك المومياء.

الطين ليس واحداً... في الشمال كان (بيغماليون) يمارس القبل الحارة مع تماثيل الصلصال فتدب فيها الحياة، وفي قلب العالم الأبيض البارد يحلم الفنانون بنساء جميلات في مخادع وثيرة، ولحم بض سمين بلون الرخام.

الطين ليس واحداً هاهنا.. في الرصيف يزرع الوحل نبتته الأصلية على أقدام القادمين من كل الجهات، فكأن الجهات كلها جنوب، وفي باب الجابية ثمة من يحلم بنقل الطين من أي مزرعة بثمن طعام يوم سيمضي إلى حلم يوم جديد.

 لون الوجه لا يغفر، ولا حتى انسدال الشعر الأشقر المحروق يغفر لفتيات حافيات في شارع الباكستان يبعن السمسم المحلى، ولا يغفر الرجاء الطويل والأدعية لأكف مجعدة تجلس على حافة حافة الرصيف طالبة بعض الطعام بفم مليء بطول العمر والتوفيق.

بحياء أبحث عن لون الطين في أقدام وأحذية هؤلاء، وها هنا لا تميز بين أصابع الفتى الصغير ونعله، وهل هذا لون الطين أم لون باطن القدم، وأتمنى أن أحك بنشوة اكتشاف الفارق المقدس الطين اليابس، أو أغسل كمن يتوضأ ما بين فرجات الأصابع لأعرف من أي أرض أتت رائحة الطين المتعفن.

توزع الأرض طينها بعنصرية الأزل، فالطين الأسود لممارسي سكن الأرصفة في كل الفصول، والبنّي للأرياف التي توزع ما لذ وطاب على أفواه بأسنان لامعة مقابل قروش للأطفال الذاهبين إلى المدرسة ليصيروا موظفين بدرجات وسقوف..وأما الطين المقدس فيشوى على نار هادئة ليصير متحفاً ذات يوم لتاريخ الوارثين والمالكين والسادة.

الطين ليس واحداً أيها البشر الملونون منذ الأزل.