فخ الصورة

فخ الصورة

المسافة بين العين ومرمى النظر ليست أقصى المسافات التي يمكن تقديرها، استهل كتاب كثر بمثل هذه العبارة مطالع أعمالهم، في إشارة لماحة الى إمكانات الوعي البشري اللا محدودة مقابل الإمكانات الضيقة للإدراك المباشر!

ولعل المسألة هنا لا تتعلق بحساب الأبعاد بمعناها الرياضي، بقدر ما تؤشر على حدود الحواس الطبيعية وقصورها على استقبال المنبهات والمؤثرات الموضوعية، في حين يبقى التفاعل معها ومعالجتها أمراً مختلفاً تماماً، يرتبط بالوعي البشري ووظائفه المختلفة من تحليل وتركيب.


وإذا طورنا القياس هنا للسؤال عن مشكلة الوعي البشري نفسه في قراءة الصور المختلفة، وعن صورة الظواهر الاجتماعية والأحداث السياسية كما تبدو في الواقع، والمسافة التي تفصلها عما يتم تكريسه لاحقاً من صور تناقض الحقيقة في كثير من الأحيان، كيف يمكن للوعي نفسه أن يعالج كل هذا الحشد من الصور المختلطة بين ما هو حقيقي وما هو مزيف؟ وكيف له أن يتجنب «فخ» الصورة كما يقال؟
لا يقتصر «تصنيع» الصور اليوم على وسائل الإعلام والاتصال وحدها، بل تشارك في هذه العملية المعقدة سلسلة طويلة من مراكز الأبحاث والجامعات، التي تخدم في النهاية شرائح اجتماعية محددة.


من الواضح أن فهم الناس العميق لمصالح الأنظمة والقوى السياسية، هو بداية الحل في تفكيك منظومات «أفخاخ» الصورة المختلفة، لكن هذا الفهم يحتاج اليوم إلى جملة متطورة نسبياً من الأدوات المعرفية والتقنية، حتى يمكن كسر منظومة الهيمنة الصورية، خاصة أن وجبة الصور المصنعة والمقدمة للجماهير ترتبط بعناصر واقعية حقيقية، بحيث يكون من العسير أحياناً إيجاد خطوط فاصلة، فعلى سبيل المثال نستطيع بسهولة ملاحظة خطورة اجتزاء تصريحات أو بيانات القوى السياسية وقياداتها، مما يمهد لاحقاً إلى تحريف محتواها الأصلي في وعي الجماهير. لا يمكن للصورة أن تصنع الواقع، لكن تأثيرها على وعي الناس تأثير هائل ويحتم على جميع القوى أن تعيد النظر بإمكاناتها في صد أو تركيب الصورة.