اكتبوه.. بعض الأمل يا سادة

اكتبوه.. بعض الأمل يا سادة

لمن ينحني هذا العجوز الرّث..وعمّا يبحث في هذه الأوراق المعلقة الملونة، تُرى كيف انكسر الظهر لِحُرمة المعنى عند البسيط الذي يكابد من أجل أن يرى...ربما يُداعب الكلمة حرفاً وراء آخر،ليستقيم الظهر المقوس...نعم (أملٌ) في وسط الجمل المبعثرة الملونة..؟

وسط البلد...جسر فكتوريا،حيث هُنا ترتاح الذاكرة،أمام مكتبة الزاوية التي توزع مطبوعاتها منذ عقود بجوار سينما دمشق (سينما سيتي)...هُنا تفتك الذاكرة بطالبي الأمل، حيث يمكنك أن تتفرع إلى المرجة والحجاز والتكية السليمانية والصالحية...الرئات التي تشكّل قلب الشام المزدحم بالمشاوير وذكريات الشباب الأول، وحمّى أفلام السبعينات حيث المشتهى ومتعة الظلمة المتحركة..
الرجل الرّث لم تثبت صورته كما تعتقدون،تابع ماشياً إلى ما يُريد أما أنا فبقيت مكاني،واقتربت لأقرأ ولم أجد ضالّته،عنوان عادي اعتدناه على صفحات جرائدنا اليومية،وثمة صور مشوشة لم تفلح في إظهارها المطبعة المرتجفة،وتتشابه العناوين السفلى في قراءة حال المواطن ومعاناته الأبدية،فلم تغير سنوات القهر السريعة. مشاكله ربما أخذت شكل الفاجعة لكنها هي هي..وربما المحرر لم يُفلح في توصيفها،ربما كان خائفاً أو لم يطوّر أدواته كما تطورت أدوات القتل هنا..هنا في جوار الرجل صاحب الظهر المقوس.
أقلب الجرائد في الطريق إلى مقهى قريب،أردد في داخلي سوف أضبط الرجل الرّث،سأكتشف بسرعة ضالته التي مدّ لأجلها ظهره المقوس،وأنا الذي امتهن القراءة،لم يوقفني عنوان مفاجئ منذ سنوات طويلة،ولم تسحبني إليها جريدة مناورة بشهوة البحث والمفاجأة..!
وضعت الصحف جميعاً على الطاولة التي لم تعد تتسع لكأس شاي خمير وفردتها بالتوازي صفحة صفحة،وأمعنت بنظارة القراءة باحثاً عن السّرّ قرأت حتى الأبراج المحلية الخائبة، التي يكتبها محرر صفحة الخدمات على هوى أصدقائه،وبالقلم الناشف حللت الكلمات المتقاطعة (عاصمة عربية- جدها في يرى- صحيفة عربية مهاجرة معكوسة- ضد وطن..) وقرأت الزوايا التي يضع فيها الباحث والصحفي المرموق والمفكر والسياسي أفكاره،لكنني لم أفلح في ضبط الرجل الرّث بين الكلمات الشريرة والحبيبة والتافهة والبلهاء.
أجمع الصحف الجليلة،وأمشي إلى المكان نفسه،وأدقق بظهر مقوس ما كان يبحث عنه الرجل الرث...أنا ابن المهنة الصعبة أبحث عن ضالته أم عن ضالتي أم ضالتنا..؟
لم نزل هنا وراء هذا الجهاز السحري نكتب هوامشنا الضيقة،ولم نقرأ في الشارع كلماتنا التي لم تصل،وفقط من على الحاسوب نفسه نطرب لرد مسؤول ونحن مدركين أنه يمارس الطريقة ذاتها في حوارنا...من على جهازه السحري يكتب ما يداعب هوامشنا الضيقة.
اكتبوه..وأنا معكم ذاك الأمل الذي يتقوس من أجله الظهر..؟