الصحافة السورية وملفات الفساد

الصحافة السورية وملفات الفساد

دأبت جريدة «قاسيون» منذ سنوات على رصد مواطن الخلل والفساد في كافة الإدارات والمرافق العامة في الدولة. وخاصة منها ذات الطابع الاقتصادي لما لها من تأثير مباشر على حياة المواطن. ولن نغمط حق غيرها من الصحف والمجلات التي أدلت بدلوها في هذا الصدد، وأشارت إلى العديد من حالات الفساد الكبير وبشكل موثق ودامغ. وتناولت أهم المرافق السيادية كالمرافئ والمطارات والبنك المركزي والشركات النفطية، بالإضافة إلى المعامل والمؤسسات بمختلف فروعها الإنتاجية والخدمية.. باختصار لا أعتقد أن ثمة فساداً في جهة ما لم يتم التطرّق إليه من قبل الأجهزة الإعلامية وخاصةً الصحافية منها. فماذا كانت النتائج؟

للأسف، لم نسمع مرة واحدة بإحالة ملف من ملفات الفساد الكبرى إلى الجهات الرقابية والقضائية. في حين من المفترض أن أيّ مقال أو تحقيق صحافي يرصد ضياع المال العام، يجب أن يعتبر بمثابة بلاغ للنيابة العامة، يتوجّب على الجهات المختصة إيلاء الموضوع منتهى الجدّية والقيام بالاستدعاء والتحقيق والمحاكمة عند اللزوم.
في بعض دول العالم، الخوف من الصحافة يبلغ مداه لما لها من تأثير ونفوذ. وتُعدّ الصحافة في تلك البلدان شاهد إثبات لدى القضاء. بينما لدينا فإن عبارة (حكي جرايد) تتردّد على كل شفة ولسان، فلا يعوّل عليها بشيء إلا نادراً. حتى أنه من المواطن البسيط إلى أكبر مسؤول فاسد، تراه مستخفاً مستهتراً بما يكتب في الجرائد، معتبراً أن كل ما كُتِبَ ويكتب لا قيمة له. ولعل من أهم أسباب مقاطعة الناس للصحافة هو خيبتها، وإحساسها باللا جدوى أو اليأس الكامل منها.
تُرى، متى سترتعد فرائص المسؤول الفاسد والظالم هلعاً وخوفاً عندما يتم تناول ارتكاباته في الصحافة؟
قمنا بتوجيه السؤال التالي إلى مجموعة من المهتمين في مجال الإعلام: (لماذا لا يخشى الفاسدون من الصحافة)؟ وكانت الأجوبة التالية:

الفنان التشكيلي علي . م:

«محزنٌ جداً هذا السؤال، إذ يفترض أن يكون القضاء والصحافة حقلين يتكاملان ولا ينفصلان، فكل منهما يتصدّى للتجاوزات ويحدد مكامن الانحراف، والقضاء يُشهر مواد القانون التي من شأنها معاقبة المتجاوزين ويطبقها، فالصحافة هي عون القضاء، والقضاء هو اليد الطولى للصحافة. وأرى أن مسألة التكامل بين الصحافة والقضاء غائبة تماماً للأسف في بلادنا».

عيسى . ج – مراسل: 

«يمكن تفعيل دور الصحافة من خلال إحداث هيئة ما – سمّها ما شئت - تتلقى المقالات والتحقيقات التي تتناول الفساد وتقوم بتجميعها وإحالتها إلى الجهات الرقابية المختصة تمهيداً لإحالتها إلى القضاء لنيل الجزاء وإحقاق العدالة. وفي حال تجاهل هذه الهيئة المفترضة أو تقاعسها، يتم الادّعاء عليها قانونياً وفق الأصول. عندها سترى كيف سيخشى الفاسد من الصحافة».

الإعلامي محمد . ع:

«إن ضعف الديمقراطية أو غيابها بالأحرى، هي أحد أسباب تفشّي ظاهرة عدم الاكتراث بما تكتبه الصحافة. وللأسف لم تترسّخ بعد الصحافة كسلطة رابعة في بلدنا. مثلاً لو تم إحالة تحقيق صحفي يتناول ارتكابات مسؤول ما، إلى الجهات الرقابية والقضائية، واتُّخِذَت الإجراءات اللازمة بحقه وعوقِبَ استناداً للقانون، وفي الوقت ذاته تم تكريم الصحافي لكشفه هذه الارتكابات. وتم تسليط الأضواء الإعلامية على هذه الواقعة، فإن تحقيقاً بعد آخر وإحالة إلى القضاء بعد أخرى.. من شأنها أن تسبغ على الصحافة حضوراً مهيباً».

الطالبة باسمة . ج – كلية إعلام:

«دائماً أتساءل، إذا كان المقال الصحافي صادقاً بما يدّعيه عن الفساد، فإن تطنيش الجهات المسؤولة لا يمكن تفسيره إلا تواطؤاً أو تستّراً على ارتكابات ذلك الفاسد. ولا أبالغ إذا قلت بأن هذه الجهات تغتبط عندما يتم رصد حالة فساد، وتعتبر ذلك المقال بأنه «لقيا» من السماء، وحجة لها لممارسة المزيد من الابتزاز على ذلك الفاسد. وإلا ما معنى استشراس الفاسدين إلى هذه الدرجة دون أيّ خوفٍ أو وجل؟!».
أخيراً، يمكننا القول بأنه لا يمكن فصل وظيفة الصحافة والإعلام عن البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأيّ بلدٍ من البلدان. حيث يمكن للصحافة أن تلعب دوراً في احقاق الحق، وتستحق حينها عن جدارة لقب (صاحبة الجلالة). وفي الأنظمة الاستبدادية، فإن الصحافة والعاملين فيها عرضةً للترهيب والترغيب حتى يتم تدجين الجميع لخدمة وديمومة هذه الأنظمة. وينطبق عليها عند ذاك صفة (مهنة المتاعب) والموت أحياناً للشرفاء وأصحاب الضمير والباحثين عن الحقيقة.