انحياز الإعلام الأمريكي لـ«إسرائيل».. قديم متجدد!!

انحياز الإعلام الأمريكي لـ«إسرائيل».. قديم متجدد!!

توزّع اهتمام الرأي العام العربي والعالمي، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بين ما يحدث على الأرض في غزة المحاصرة، وبين متابعة الكيفية التي تعامل فيها الإعلام الغربي مع المستجدات الأخيرة. 

وبالرغم من أن انحياز مؤسسات الإعلام الأمريكي الكبرى للكيان الصهيوني، لم يكن يوماً قضيةً موضع جدل. إلا أن كشف ذلك الانحياز، في العدوان الأخير، أمسى الشغل الشاغل للإعلاميين المناصرين للقضية الفلسطينية والجماهير المتعاطفة معها. بحيث يمكن لأي متابع ملاحظة كم الروابط والمقالات التي تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتهتم بفضح قنوات (فوكس نيوز) و(سي أن أن) وغيرها. إلى جانب البرامج التلفزيونية التي تعنى بتحليل أساليب ورسائل الدعاية في الكيان الإسرائيلي. 

«أي جزء مما أقوله لا يدخل رأسك السميك؟!»

يتخلى الإعلام الأمريكي اليوم عن آخر أقنعته. إذ بدا من الواضح أن الذهاب للنهاية في تبرير مواقف العدو الإسرائيلي والدفاع عن وجوده، أكثر أهمية بالنسبة إليه الآن من «التظاهر» بالديمقراطية واحترام حرية التعبير. وصل الأمر مثلاً بمذيع فوكس نيوز (شون هانتي) ليسأل ضيفه الفلسطيني الممثل لإحدى الجمعيات المدنية المسلمة في أمريكا: «أجب بنعم أم لا، هل حماس منظمة إرهابية؟ أي جزء من السؤال لا يدخل رأسك السميك؟!» لم تكن تلك الحادثة عابرة، بل مجرد حلقة ضمن سلسة حوادث مشابهة. 

الأمريكيون يحتجون ضد الكذب

بدا أن هذا التحيز العلني والوقح للعدو الإسرائيلي  قد صدم الرأي العام الغربي. خاصة بعد تراكم الاحتقان الشعبي إزاء محاباة المؤسسات الإعلامية الضخمة لرأس المال اليهودي وخضوعها لأهواء الشركات. ومن تجليات ذلك تظاهر آلاف الأمريكيين في نيويورك الأسبوع الماضي احتجاجاً على قتل الفلسطينيين في غزة، والتغطية المتحيزة المؤيدة لدولة العدو الصهيوني في الـ(سي أن أن وفوكس نيوز). رسم المحتجون إشارة النازية على علم الكيان الإسرائيلي، ورفعوا صوراً لضحايا اعتداء العدو الصهيوني على القطاع. اللافت في الموضوع أن المشاركين لم يتوقفوا عند حد إظهار التعاطف. لم يطالبوا مثلاً «وقف العنف بين الطرفين»، بل نادوا بشعارات أكثر جذرية من قبيل: «حرِروا فلسطين» و«كم طفلاً قتلت إسرائيل اليوم ؟!».

إعلاميون يشهرون سيفهم للدفاع عن فلسطين

على صعيد أعمق يمكن لأي متابع اليوم، ملاحظة ازدياد عدد الإعلاميين والبرامج التي تنتقد تغطية الإعلام الأمريكي المنحازة لدولة الاحتلال الإسرائيلي. فإلى جانب الإعلامي الساخر جون ستيورت، برز في هذا السياق برنامج (ذا تروز) الذي يقدمه الممثل البريطاني راسل براند ويفضح فيه كذب الإعلام الغربي بالعموم، وقناة فوكس نيوز بشكل خاص. في إحدى حلقات البرنامج، يتهم براند فوكس نيوز بأنها «أشد خطراً من داعش».  ويشن في حلقات أخرى حرباً على مذيع فوكس نيوز «شون هانتي» واصفاً إياه بالإرهابي. 

حتى الغارديان ضاقت ذرعاً بالإعلام الأمريكي!

وفي مقال نشرته الغارديان بتاريخ (31-7) تحت عنوان: «الإعلام الأمريكي الجديد المنحاز لإسرائيل: التمسك بخط الحزب ذاته في الوقت الخطأ»، وألحقته بسؤال فرعي: «لماذا تبدو أخبار التلفزيون كما لو أنها إعلانات لنتانياهو؟! ». يعالج الصحفي كريس ماكغريل قضية تجنب الإعلام الأمريكي طرح الأسئلة التي يراها الكاتب جوهرية لفهم الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. كالسؤال حول ما إذا كان نتانياهو يريد السلام حقاً. ومخاوف أخرى حول تنامي الاتجاه اليميني داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي.

يقف كرس ماكغريل مطولاً عند إطلالة نتانياهو على قناة (سي بي أس). حينما أعطاه المذيع الوقت الكافي لتبرير هجومه العسكري على الأرض، ومهد له الطريق بطرح سؤال بسيط تلو الآخر. يشير الصحفي إلى أن مذيع (سي بي أس) ذهب أبعد من ذلك، ليقتبس جملة غولدا مائير الشهيرة: «نحن لن نسامح العرب أبداً على إجبارنا قتل أطفالهم». تطرق الكاتب كذلك لقضية منع بعض القنوات مراسليها من التغطية الحية من غزة، لأنها لم تكن تتوافق مع أهوائهم. أشار أن (السي أن أن) تستضيف 4 مسؤولين من دولة الاحتلال مقابل كل مسؤول فلسطيني. وختم الكاتب مقاله بالقول إن هناك انعطافاً في الرأي العام الغربي اتجاه الموقف من الكيان الصهيوني، ولذلك لن تستطيع تلك القنوات إكمالها بنقل جانب واحد من القصة.

 يعكس ما تقدم، أن الإعلام الأمريكي ينتقل اليوم، في تغطيته لأخبار فلسطين، لمرحلة جديدة، يضطر فيها القائمون عليه المجاهرة بالتطرف والتحيّز واليمنية. وصولاً لحد المخاطرة بفقدان «سمعتهم» باعتبارهم صرح الديمقراطية والموضوعية. ذلك تطور هام يعكس وصول صراع القوى داخل أمريكا وعلى الصعيد الدولي لمستوى، بحيث لم يعد من الممكن إخفاء النوايا الحقيقية «بالمكياج» أو اقتطاعها من كادر الصورة.