زياد الرحباني متنقلاً بين المرئي والمسموع

زياد الرحباني متنقلاً بين المرئي والمسموع

تترك الإطلالات الإعلامية الأخيرة لزياد رحباني المشاهدين في حيرة، خاصةً أولئك الذين لم يستطيعوا التصالح مع طبيعة تصميم البرامج الحوارية في الكثير من القنوات اللبنانية، والقائمة على أسس الإبهار البصري والمحاولات المتكررة «لكسر القالب» والخروج عن المألوف. ولذلك لم يستطع الكثير من متابعي زياد فهم الأسباب التي قد تدفعه مثلاً للظهور على شاشة (LBC) عبر برنامج «المتهم» قبل عدة أسابيع.

لم يَحل الشكل المحكم لتصميم البرنامج والقائم على محاكاة جلسات التحقيق وسحب اعترافات الضيوف بأسئلة مغلفة مقتضبة دون منع زياد من الاستطراد كعادته.  لكن مع ذلك لا يستطيع المرء أن يقول إن إطلالة زياد في «المتهم» قد قدمت جديداً، ربما يكون الاختلاف الوحيد الذي جاء به هذا الحوار الذي توزع على حلقتين فنية وسياسية، هو محاولة الضغط الإعلامي على القائمين على إدارة أعمال فيروز، بغية تحسين الشكل الذي يتم فيه التعاطي مع هذا النتاج، إذ طالب زياد في أكثر من موضع برفعه إلى مصاف الإرث العام، ووضعه تحت إشراف الدولة والجهات المختصة بغرض حمايته وحفظه ليتجاوز الخلافات والدسائس العائلية والخاصة.

الصراحة والسياسة..

ومن جهة أخرى يمكن قراءة إطلالة زياد على منبر (LBC) كمحاولةٍ لاختراق هذا المنبر -وبما يمثله- من الداخل. وهو أمر اعترف به بشكلٍ مباشر حينما حمّل القناة مسؤولية إذكاء نار الحرب ضده بعد تصريحاته الشهيرة في موقع العهد الإلكتروني حول «حب فيروز للسيد حسن نصر الله».
وباستثناء تلك الإنجازات الصغيرة لم تحمل تلك الإطلالات جديداً، بل تركت في مواضع كثيرة لدى المشاهد شعوراً بالضيق، تحديداً حينما حاول المحاوران الإرتفاع بسوية الحوار وتخصيص حلقة سياسية، لتأتي النتيجة حواراً مفككاً ومبسطاً لقضايا وملفات شديدة التعقيد. وهنا كان زياد رحباني محقاً حينما رفض عرض انتقاداته لحزب الله، محتجاً بأن هذا ليس المنبر المناسب للخوض فيها. والحقيقة أن هذه الإجابة «الصريحة» كانت تنسحب على العديد من محاور الحلقة.

زياد يستسلم للبوح..!!

وفي المقابل يمكن تلمّس فروق نوعية بين تلك الإطلالة المرئية والحديث الإذاعي المطوّل الموزّع على أربعة أجزاء في إذاعة صوت الشعب مع لوركا سبيتي، إذ بدا أن الخصائص النوعية للإذاعة بما تتيحه من تركيز على المضمون، والكلام بعيداً عن مسببات التشتت  والإرث التاريخي الذي يجمع زياد مع صوت الشعب، ترك بصمته على اللقاء، وجعل الحوار أكثر عمقاً وسلاسة، فزياد الرحباني الذي وجد نفسه حبيس استديو إذاعي ضيّق، استسلم للبوح.

خصصت الحلقتان الأولى والثانية لمحور الطفولة في منزل فيروز وعاصي الرحباني. حيث أشرك «الابن المتمرد» جمهوره في تفاصيل وحكايات عائلية بدت للكثير من قنوات الإعلام ومجلّات المنوعات معلومات فضائحية، أو تجاوزاً للحدود. وبالرغم من أنه قد يصعب على المرء فهم السبب الذي قد يدفعه لقول كل ذلك على الملأ، وهي بالتأكيد خطوة جريئة سواء اتفق المرء معها أو خالفها، إلا أن زياد الرحباني ومن خلال ذكرياته المعلنة تلك، ساهم في رسم صورة أكثر واقعية عن تاريخ واحدة من أكثر العائلات الفنية تأثيراً في العالم العربي.
إذا ما حاول المرء ألا يؤخذ بالجانب الفضائحي لحكايا الصراعات العائلية، سيكتشف أن «الرحباني الابن»  يحاول أن يوصل رسائل محددة. وإلا ما الغرض من إستذكار الجد السكير، قاطع الطريق، صاحب المقهى، ومقارنته بصورة الجد الآخر، العامل في المطبعة؟
ما الغرض من المحاولات المتكررة لقراءة تركيبة تلك العائلية اجتماعياً واقتصادياً، ثم الوصول إلى استنتاجات بأن تلك العائلة انسلخت عن شريحتها الاجتماعية والاقتصادية الأصلية عندما انخرطت بالوسط الفني بدواعي العمل والشهرة، إلا أنها استمرت بشكلٍ أو بآخر تعالج شؤونها ومشكلاتها بالمنطق القديم ذاته؟

الرحابنة .. الأسرة «النموذج»

يحاول زياد، منطلقاً من أسرته كنموذج، رسم صورة طبقية واجتماعية للمجتمع اللبناني من خلال فهم دور تلك الأسرة التي كانت مركز للتجمع والتأثير في الفن والسياسة في تلك الحقبة.   
وبالعودة لتسلسل اللقاء الإذاعي المطوّل، ركزت الحلقة الإذاعية الثالثة على الأعمال المسرحية لزياد الرحباني من حيث الشخصيات والمقولات، وإسقاطاتها على المشهد السياسي اليوم، ويُحسب للوركا باسيني في هذا السياق، رفع الحوار إلى مستوى أكثر عمقاً، وتجاوز التقليدية، لتظهر الأبعاد الحقيقية لأهمية تلك الأعمال باعتبارها تكثيفاً لصراعات قوى الفساد، وحروب التيارات السياسية المختلفة في البلاد.
أما الحوار الإذاعي الرابع فغلب عليه الطابع السياسي، واتسم بالتبسيط في بعض المواضع حين الحديث عن طبيعة التحالفات الدولية اليوم. إلا أنه ساهم أيضاً في رسم صورة أكثر واقعية عن زياد الرحباني الفنان، الذي يخوض معارك يومية من أجل تنظيم الحفلات والتسجيلات ويشكو من الأجور غير العادلة للعازفين، دون أن ينسى في النهاية توجيه انتقادات جوهرية لمنبر صوت الشعب الذي تترك الإنقسامات والخلافات للتيار السياسي الذي تتبع له آثارها على خط الإذاعة وأدائها الإعلامي.
تحيّر كثافة الإطلالات الإعلامية المتفاوتة في المستوى والأهمية المُشاهد، إذ يخاف محبّو زياد رحباني من مخاطر الاحتراق الإعلامي، حينما يتوقف الناس عن انتظار ما قد يقوله ويعتادون رؤيته متنقلاً من شاشة إلى أخرى. وفي المقابل تعلو بعض الأصوات التي ترى ضرورة انتهاز أي فرصة جديدة لإيصال مواقفه، وآرائه الفنية والسياسية، وتجميع أرشيف سمعي وبصري ومكتوب، يتجاوز تقييمات اللحظة الراهنة القاصرة.
قد تكون في القادم من السنوات إحدى الوثائق القيمة التي أرّخت لمراحل تاريخية وفنية وسياسية هامة في تاريخ لبنان والمنطقة.

آخر تعديل على الثلاثاء, 13 أيار 2014 15:11