وفي الثقافة أيضاً..

وفي الثقافة أيضاً..

التشوه الذي ساد المشهد السياسي والاقتصادي الاجتماعي في البلاد، طال المشهد الثقافي أيضاً من خلال محاولة فرض ثنائية «التغريب والتكفير» في الوعي الجمعي..

استند «التكفير» المعاصر على تلك الزوايا المظلمة في التراث الديني، والتي ظهرت في فترات الانحطاط والتفسخ في مراحل محددة من التاريخ العربي والإسلامي، والتي انعكست بخلافات وصراعات تمظهرت بأشكال مختلفة، ولكنها في العمق كانت تعبيراً عن الصراع على «السلطة والثروة» فاستخدام المقدس الديني في مواجهة الخصوم، لتأخذ بالمعنى الإيديولوجي شكلاً مذهبياً او طائفياً..
أما «التغريب» بمعنى محاكاة نمط الحياة الغربية، وتقليدها بداعي «التحضر» و«التمدن» وكردٍ مزعوم على« التخلف» الشرقي، والذي يعني في الحقيقة القبول بما تروّجه أو بعبارة أدق ما تفرضه تلك «البلدان المتحضرة» من مشاريع اقتصادية وسياسية...
 بين هذا وذاك تم تغييب التراث الحقيقي متعدد المصادر وذي النزعة الإنسانية التقدمية، من حيث هو مصدر من مصادر الهوية، فجرت محاولة تمسيخه إلى مجرد صراع على طريقة نقض الوضوء مثلاً، وتم أيضاً في الجانب الآخر قطع الطريق على التطور الحضاري الموضوعي أو على الأقل تشويه هذا التطور الذي يجب أن يعكس حاجات الواقع المحلي في إطار التفاعل مع الثقافات العالمية ..
عدا عن أن كلاً من التغريب والتكفير من مقوضات الهوية الوطنية، فإن أخطر ما في هذه الثنائية هو اعتبار كل منهما نقيض للآخر، وما على المتلقي إلا الأخذ بأحد منهما، بينما في حقيقة الأمر هما جوهر واحد لظاهرة متعددة الوجوه..
فعلى الدوام كان الأوّل يغذّي الثاني، والثاني يقدم المبرر تلو المبرر لكي يجد الأول مكاناً لهُ في الترويج..وليس سراً أنه في سياق الأزمة الراهنة تطابق المواقف السياسية، والبرامج الاقتصادية بين هذا وذاك، ولم يعد سراً أيضاً أن مصادر التمويل والدعم واحدة؟
إن النموذج الثقافي المطلوب، النموذج الذي يعبر بشكل حقيقي عن الحاجات الروحية للإنسان السوري يكمن في الخروج من هذه الحلقة المفرغة، هو النموذج الذي يكسر هذه الثنائية التضليلية، ويذهب باتجاه ثقافة جديدة تأخذ تلك الجوانب التقدمية في التراث بما فيها التراث الديني، وتتفاعل مع الحضارة الإنسانية بما لايلغي خصائصه وميزاته..