قراءة في كتاب «مجمل تاريخ الأدب الروسي»

قراءة في كتاب «مجمل تاريخ الأدب الروسي»

أدباء روسيا… في كتاب يروي سيرهم ويكشف عزلة قارتهم

“إذا ما اقتصرت زهور بستان مُنمق الأزهار بهي المنظر على نوع واحد من الزهور، ذهب التكرار بالبهاء والتنميق على حد سواء”، من هذا المنطلق كان اتجاه الهيئة العامة لقصور الثقافة لإصدار كتب متنوعة من كل الاتجاهات، ومن هذه الكتب كتاب “مجمل تاريخ الأدب الروسي” لمارك سلونيم، ترجمة صفوت عزيز جرجس، وقدمه لقراء العربية د. أحمد الخميسي.
يسلط الكتاب الذي يقع في 279 صفحة من القطع المتوسط الضوء على فترة مهمة من تاريخ الأدب الروسي منذ بداياته الأولى وحتى النصف الأول من القرن العشرين في رحلة يقوم بها القارئ مع أعلام الأدب والثقافة الروسية، أمثال تشيخوف، بوشكين، ودستويفيسكي، وغوغول، ليرمونتوف وغيرهم.
يقول د. أحمد الخميسي في تقديمه للكتاب: صدر الكتاب لأول مرة العام 67، لافتاً إلى أنه يعد علامة فارقة في تاريخ تطور الأدب الروسي، لما يحمله من قيمه تاريخية كبيرة ساهمت بشكل كبير في ظهوره على هذا النحو البارع، مضيفا أن مؤلف الكتاب ناقد يهودي روسي أنهى دراسته في جامعة فلورنسا بإيطاليا، ثم انتقل إلى فرنسا ثم براغ واستقر أخيرا في أميركا لمدة عشرين عاما.
صدر الكتاب في جزئين بعنوان “تاريخ الأدب الروسي”،  الجزء الأول منه العام 1950 ويبدأ بالملاحم الروسية وصولاً إلى تولستوي، أما الجزء الثاني فصدر العام 1953 ويبدأ بالحركة الشعبية وتشيخوف وصولا إلى الأدب السوفياتي فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد دمج المترجم الجزئين في كتاب واحد، واسماه “مجمل تاريخ الأدب الروسي”. عند استعراض الكتاب من خلال فصوله الـ 18  نجدها تحمل عناوين عدة هي “الأصول”، “بطرس الأكبر والتأثير الغربي”، “أوليات القرن التاسع عشر”، “بوشكين”، “ليرمونتوف”، “غوغول والمدرسي الطليعية”، “من بلبيسنكي الى هزرن”، “ترجنيف”، “غونشاروف وأوسترفسكي”، “من العدميين الي الثوريين”، “الشعبيون وكتاب الأرض”، “ديستوفسكي”، “تولستوي”، “تشيكوف”، “الحركة العصرية”، “الرمزيون”، “غوركي والنثر الروسي قبل 1917″ و”أدب الثورة”.  ويوضح المؤلف أن الأدب الروسي لم يعرف طريقة إلى العالم الغربي حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما تناهت لأول مرة إلى أسماع أوروبا وأميركا أسماء ترجنيف، تولستوي، دستوفسكي وغوغول، وقبل ظهور هذا العدد من الكتاب الذين انضم إليهم فيما بعد تشيكوف، غوركي، بوتين وغيرهم، كان هناك جهل كبير بروسيا عامة وتاريخها الأدبي خاصة.

تغريب

كان للكتّاب الروس كما لغيرهم جذورهم العميقة، فقد ظل التطور الثقافي لروسيا عملية منعزلة، رغم مساحتها الشاسعة التي تؤهلها لأن تكون قارة بذاتها،  ولم تكن تربطها بالدول العربية إبان العصور الوسطى وعصر النهضة إلا علاقات واهنة، كما إن بعض العوامل الداخلية حددت للحضارة الروسية حتى القرن الثامن عشر طابعه الخاص مانعة الآداب في روسيا من أن تتطور بنفس السهولة التي كانت تحظى بها الآداب في البلاد الأخرى، حتى حدثت إبان حكم بطرس الأكبر عملية تغريب روسيا وإخضاعها للتأثير الغربي بطريقة مفاجئة، حيث تم تشييد “سانت بطرسبورغ” كعاصمة جديدة لها،  على نهر نيفا، كما ألقى بروسيا بشدة في التيار الرئيسي للحضارة الأوروبية وزاد التعرف على الأدب الروسي.
ويشير الكتاب إلى أنه في الوقت الذي تراجعت فيه التقاليد السامية للقصائد الجادة والتراجيديا الاتباعية في بدايات القرن التاسع عشر، حل محلها قصص حزينة وقصائد غنائية تعبر عن الأسى وزادت عاطفية ما قبل الرومانسية في كل من النثر والشعر، وكان نيقولا كارافزين أول من فتح لتلك المدرسة الجديدة في رواياته القصيرة اللطيفة وأدخلت روايته “ليزا المسكينة”، وقصصه الأخرى السرور على آلاف القراء، ولم يكن كتابة “خطابات سائح روسي” أقل نجاحاً، إذ صور فيه فرنسا الثائرة وأوربا المناوئة للثورة في نهاية القرن.

بوشكين

يرصد المؤلف تاريخ أبرز المثقفين والأدباء الروس الذين أثروا الأدب الروسي بعدد من الروايات، التي أثر كل منها في الحقبة التي ظهر فيها، ومن هؤلاء الأدباء البارزين، “ألكسندر بوشكين” الملقب بـ “أمير شعراء روسيا”، الذي ولد في موسكو في 6 يونيو العام 1799م، وتوفي بوشكين العام 1837م، تاركا الكثير من المؤلفات المهمة منها: “زنجي  بطرس الأكبر”، “روسلان ولودميلا”، “أسير القفقاس”، “نافورة باختشي سراي”، “الغجر”، “بوريس غدونوف”، وقصيدته الوطنية الملحمية “بولتافا”.

ليرمنتوف

أما “ميخائيل ليرمنتوف”، فقد ولد لعائلة من طبقة النبلاء، توفيت والدته العام 1817 وبدأ خطوته الأولى في طريق كتابة الشعر، بقصيدة “الشيطان” لتشكل اللبنة الأولى في صرح إبداعه، ومن أهم مؤلفاته، قصيدة “موت شاعر”، كما استغل “ليرمنتوف” منفاه ليمارس كتابة الأشعار والرسم بالألوان المائية والزيتية حيث أبدع الكثير من اللوحات الجميلة، كما ترك الكثير من إنتاجه المميز منه “أسير القوقاز”، “الشركسي”، “الخريف”، “الشراع”، “القرصان” ورواية “بطل زماننا” التي اشتهر بها في جميع أنحاء العالم، التي أعيد طبعها مرات عدة باللغة الروسية ولغات شعوب الاتحاد السوفياتي السابق، وترجمت إلى جميع لغات العالم تقريبا.

غوغول

ويعد “نيقولاي غوغول” الذي ولد العام 1809، مؤسس المدرسة الواقعية في الأدب الروسي، واستخدم الضحك وسيلة للهجاء وقدم الكثير من إبداعاته، مثل “المفتش العام”، “الأرواح الميتة” و”فقرات مختارة من مراسلات مع أصدقاء”.

ترغنيف

أما ترجنيف فهو الثري النبيل الذي أنفق 30 عاما من حياته في التجوال والرحلات، وأنتج الكثير من المؤلفات التي راجت في عدد من البلدان، وكانت من أهم المؤلفات التي كشفت للغرب الحياة الروسية “الحب الأول”، “أن شيا”، “شأبيب الربيع”، “الأرض العذراء”، “الدخان”، “الأشباح” وغيرها كثير وفيها ظهرت براعته اللغوية، و”فلسفته” في الحياة.

لافروف

انتقل الأدب الروسي إلى مرحلة الاشتراكية الثورية، ليبدأ رحلة أدبية جديدة، وانتقلت الزعامة الفكرية والأدبية إلى جيل جديد من أمثال “لافروف”، الذي يعد واحدا من مؤسسي المذهب الشعبي، بينما ظهر نبوغ “تولستوي”، في مؤلفاته التي كانت مزيجا من الأفكار الشعبية، فيما اصطبغت مؤلفات “ديستوفيسكي”، بالسلافية الدينية، وأصبحت مؤلفات “ألكسندر شلر”، “ميخالوف”، “غريغوري ماتشت”، “أنوكونتي” و”ميولفسكي” من أكثر المؤلفات الأدبية بين عامة الشعب الروسي في تلك الفترة.

ديستوفيسكي

تعد رواية “الأخوة كاراموزوف”، من أشهر روايات “ديستوفيسكي”، الذي ولد العام 1821 وكتب عددا من الروايات التي كان لها تأثيرها الكبير على العالم الغربي، ولا غرو في ذلك فلقد تأثرت مؤلفاته بحياته القاسية، ونشأته الوحيدة وكرهه للمدرسة، وصراعه مع أقرانه، وغيرهم، ولذلك كانت معظم رواياته تحمل معاني رمزية، وصراعات نفسية بين أبطالها، وخصوبة فكرية أيضا، والتي ظهرت جليا في مؤلفات مثل “الممسوس” و”مذكرات من جوف العالم السفلي”، لذا يعد واحدا من أوسع الأدباء الروس تأثيرا وانتشارا، ليس في روسيا فحسب بل على المستوى العالمي.

تولستوي

يوصف “تولستوي” بأنه العدو الذي لا يلين للرومانسية، خاصة أنه بدأ حياته الأدبية بذكريات الطفولة والصبا والشباب، ولم يهتم بستر نفسه في تلك المؤلفات، ودار بين النقاد خلاف كبير حول مؤلفاته، فمنهم من هاجمه، ومنهم من تحمس له، حتى القراء أنفسهم انقسموا حوله، ومن أهم مؤلفاته، “الكلاب والخيول”، “الحرب والسلام”، “أنا كارنينا”، وتميز في تلك الروايات بالعمق في رسم الشخصيات، لذا كانت قصصه دائما فريدة من نوعها.

تشيكوف

ولد “أنطون تشيكوف” العام 1860، وحصل على دبلوم الطب الذي هجره إلى الأدب، ولاقت أعماله تقديرا كبيرا في الغرب، ولقب بالمؤرخ الاجتماعي، لاهتمامه برجال عصره والكتابة عن معاناتهم في المجتمع، خاصة من الجانب النفسي، لذا كان يدعو دائما إلى التآخي، ونبذ التصنع والمباهاة عن طريق تجريد شخصياته من الأكاذيب، فاضحا أوهامها وعاداتها وأكاذيبها، وكانت أهم مؤلفاته “إيفانوف”، “بستان الكرز” و”الأخوات الثلاث” التي كان لها تأثيرها الكبير في تفوق المسرح الروسي في تلك الفترة.
بالطبع هناك غير “بوشكين” و”ليرمنتوف” الكثير من أدباء روسيا المميزين الذين قدموا وأثروا ليس الأدب الروسي فقط ولكن الأدب العالمي كله من أمثال “تشيخوف”، “ديستوفسكي” و”تولستوي”، وغيرهم ممن سلط الكتاب الضوء على حياتهم وكتاباتهم خاصة بعد الثورة الحمراء.
بعد استعراض الكتاب لأبرز مبدعي روسيا، يختتم الكتاب أوراقه بتسليط الضوء على  ثورة مارس 1917 والإطاحة بالقيصرية التي حكمت ألف عام من التاريخ الروسي، وكيف بدأ عصر جديد بعد استيلاء لينين وتروتسكي على السلطة بعد ذلك بشهور، وإقامة النظام السوفياتي وبداية التجربة الشيوعية، موضحا أنه لم يكن لهذا الحدث نتائج خطيرة بالنسبة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الروسية فحسب، بل جاء بوضع جديد تماما في مجال الثقافة القومية الأضيق، كما كان لهذه الثورة تأثيرها على المسيرة الأدبية العالمية.


بقلم فتحي المزين ــ القاهرة
المصدر: تحولات

آخر تعديل على الأحد, 09 حزيران/يونيو 2013 21:39