المثقف والواقع.. ممنوع ممارسة الوظيفة الاجتماعية

المثقف والواقع.. ممنوع ممارسة الوظيفة الاجتماعية

•إلى أي أحد تهتم بما يجري من تحوّلات اقتصادية واجتماعية في سورية؟ وما أثر هذه التحولات على حياة الناس عامةً؟؟

•هل ترى أن هناك علاقة جدلية بين الواقع والثقافة حقاً؟ ومن ثم هل ترى أن المثقف السوري يهتم بالقضايا الجوهرية في بلده، أم يكتفي بالملامسات الجوهرية؟ ولم؟؟

•هل تشارك، كمواطن، في الحياة العامة مطلبياً وحقوقياً؟؟

              

■ حازم العظمة

أهتم جداً، أعني لا يمكن أن تكون مطلق إنسان أو مواطن إن لم ترَ ما يحدث حولك، ما قلتَ إنه: «تحولات اقتصادية اجتماعية» لابد استعرتَه من عنوانٍ فضفاضٍ ما، ساخراً ربما، ما أراه فعلاً لا يحتاج في وصفه إلى جملة طويلة كهذه، قد أسميه باختصار: نكوصاً أو نكسة.. أعني التقهقر الثابت إلى الوراء، هكذا تجد أن الدخل الفعلي للمواطنين - باستثناء أقلية عظيمة الثراء – ينكمش ويضمر، والحياة تغدو أصعب وأبشع ، هناك ارتداد إلى ما هو قبلي وقبل مديني وقبل ريفي (لأن الأرياف أيضاً كان لها نسيج اجتماعي يحمي من الظلم، وينبذ الزعران والبلطجية).. أعني كان ثمة قيم اجتماعية تسمح للحياة أن يكون لها انسجام ما، وهذه القيم ليست بالضرورة رجعية، قيم المجتمع، على تواضعها، استُبدلت  بسُعار الإثراء السريع وحمى التظاهر الفارغ، ثم ما يتبع ذلك وما يتضمنه من إعجاب وتبجيل لأشياء كانت ساقطة.. كقياس الناس بمدى نفوذهم (قوّتهم)، كالسكوت على استخدام القوة الغاشمة، كاستخدام القوة الغاشمة بدلاً من العقل والحكمة، احترام العمل استُبدلَ باحترام الثروة و«الصلات» و«القرابات»، وحتى اللصوصية، القيم الريفية -والمدنية- استبدلت بعصبيات شبه قبلية وأصبح العنف قيمةً بحد ذاته لدى شرائح عديدة أنتجها الوضع الفعلي من البدء لا يمكن تعريف الثقافة دون الواقع ولا معرفة الواقع دون الثقافة، مع أن الثقافة قد تعكس الواقع بشكل خيالي، أو ربما مقلوب، أو حتى خرافي، لا يمكنك أن تَقسر الكتابة مثلاً بالالتزام بـ «الواقع»، كل واقع، فيما يتعلق بحياة الناس، كان في أساسه خيالاً، كما أن كل خيالٍ في أساسه واقع، وإلا لكررت البشرية نفسها بلا نهاية في قالب جامد ميت.

 في سورية ربما الثقافة تعكس الواقع بشكل «مكسور» أو بشكل «مخنوق»، ما يجري فعلياً هو محاولات لا تنتهي لقولبة الثقافة ضمن رغبات «أصحاب» الدولة، غالباً هذه المحاولات عنوانها العريض «إنا وجدنا آباءنا على هذا».. «آباءنا» هذه تأخذ معاني عديدة ..

منذ عقودٍ عديدة، تحديداً منذ بدء «حالة الطوارئ» و«الأحكام العرفية» المجتمع جرت إقالته قسرياً من وظائفه الأهم.. هناك من أتى ليقول لنا، وما يزال يقول لنا: لا شأن لكم بأيٍّ من هذا، أنا أتولى عنكم كل شيء...

هذا يفسر كل تراجع وكل تدهور ابتداء من مستوى الحياة والمعيشة وصولاً إلى انحطاط الذائقة والقيم وتعثر الثقافة

أنا كمواطن، أو كأي مطلق مواطن، ممنوع قسراً من وظيفتي الاجتماعية، كل مساهمة تأتي كاسرةً هذا الحظر مساهمة شجاعة..  

■ أنس إسماعيل

صرت أهتم بيأس وملل، فالمسألة الاقتصادية باتت محسومة باتجاه الخصخصة بعد تحميل القطاع العام كل أسباب الفشل تأسيساً على ما فيه من فساد وتخريب وروتين وبيروقراطية وكل أخوات هذه المصطلحات وأمهاتها وهذا ما سيزيد الهوة الطبقية في المجتمع، سيزداد الفقراء فقراً وعدداً وهذا هو المهم، وما سينتج عن ذلك من تأثيرات أخلاقية وجنائية مستجدة على مستوى طرح مفاهيم ومعايير منعكسة عن ما تقدم ستؤدي بالضرورة إلى خلخلة الحياة الاجتماعية والحقوقية وهي خطوة إلى الوراء في الحقيقة، إلى ما قبل نشوء وانتشار القطاع العام وإن كانت آنذاك بشكل أولي غير واضح. وعليه يمكن اعتبار اقتصاد المؤسسات الحكومي كما حدث شكل مرحلة معيقة للتطور الاقتصادي بنمط رأسمالي أية إعاقة لتقدم ضروري بغض النظر عن موقفنا منه، إنه خطوة إلى الأمام أنتجت خطوتين إلى الوراء.

هناك علاقة جدلية حتمية وهذا بدهي لكن السؤال هو إلى أي حد تحقق هذه الجدلية تراكماً فعلياً يؤسس لتحولات نوعية في بنية الحياة الاجتماعية في الواقع المعاش، إن الثقافة وبقدر ما هي انعكاس لنمط علاقات إنتاجي اقتصادياً واجتماعياً هي أيضاً انعكاس منقلب عليها بمعنى أنه يشكل رفضاً لها لكننا لا نراه ولا نلمحه حتى، بسبب من اضطراب الواقع كعلاقات سائدة ووقوعها في مخاض لم تحسم نتائجه بعد مما جعلنا في كثير من الأحيان نختلف على المصطلحات والمفاهيم كالثقافة والمثقف مثلاً، ومنه بقيت القضايا الأساسية في الحياة بعيدة المتناول وأفرغ المثقف السوري طاقته في الرواية وشعر اليوميات والدراما المسطحة والثرثرة لاحظ الكم الكبير واليومي من الإصدارات وموضوعاتها.

بسبب من اليأس والإحباط والشعور بعدم الجدوى لا أرى فرصة للمشاركة.

■ محمد المطرود

تنمية ورؤيا استشرافية، قراءة للفعلين الحاضر والحاضر المقترن بالسين، وهي مشروع حياة تدخل في كل شيء من صناعة الخبز وحتى رسائل الأحبة فيما بينهم، في راهننا هي أمر فائض عن الحاجة، ويمكن الاستغناء عنها لمصلحة ما هو أدنى، وكأن سيرورة التحولات الاقتصادية والاجتماعية لم تنظر إلى الثقافة باعتبارها العصب التغييري، بل رأت في قصورها عن ممارسة دورها مسوغا لتهميشها، لهذا نشأت العلاقة اللاصحية بين المؤسسة الثقافية (المؤسسة) مجازاً والمثقف الذي  تأزم وصار تفكيره ببصق أزمته أكثر من تفكيره بالخروج منها، وبالتالي تصدير (العقدة) جعل المثقف يطارد أوهاماً وضاق عليه فضاؤه ليتغنىّ بغرفته وأعقاب السجائر أكثر من مناقشة خطط الدولة في التنمية و(التطوير) و(التحديث).

أبداً هي بهذا الشكل ليست دائرة من دوائر المجتمع اتساقاً مع الديني بوصفه لغة حال ومع الاقتصادي كفعالية عظمى، ومع السياسي المحقق للتوازنات بوجود السلطة والقانون والأنظمة والحقوق والواجبات، انتهاء بمجتمع مدني يفعِّل جميع هذه العلاقات.

كأن العلاقة المتوجسة بين المثقف ووسطه من سلطة مركزية وأخرى اجتماعية قائمة على الخوف المتبادل، وعلى الذهنية المنوّمة على الخوف المفترض أكثر منه أمر واقع في ظل انفراجات تتم لكن لا تستثمر وتغفل لمصلحة الهامشي.

يمكن النظر في الإجراءات التي تحيل على الثقافي وتكون حاملا من حوامله البرامج  بكليتها كيف يتم تبخيسها، حتى إذا أخذنا بأن الفعل إداري بامتياز وليس نهج الدولة استطعنا القول: منجز معطل وسيبقي على الأزمة وعلى تهميش المثقف الذي هو أيضا رأى في ذلك راحة البال.