سمكة في الأذن: محترف الترجمة

سمكة في الأذن: محترف الترجمة

قيل الكثير عن أهمية الترجمة من لغة إلى أخرى، وذلك على اعتبارها وسيلة أساسية في التواصل بين الثقافات، وفي نقل المعارف من حضارة إلى أخرى. ومن المعروف أن الأوروبيين استفادوا كثيراً من الترجمات التي نقلها العرب من الحضارات الصينية والهندية وغيرها.

والأستاذ في جامعة برينستون الأميركية دافيد بيللوس، والكاتب الذي ترجم عدة أعمال إلى اللغة الإنجليزية، دافيد بيللوس، يكرّس كتابه الأخير لمسألة الترجمة، وموقعها في نقل المعارف والإشكاليات التي تطرحها عند النقل من لغة إلى أخرى. وذلك ضمن كتاب متكامل، بعنوان: «سمكة في الأذن». ويوضح بداية، أنه يقال إن «من ترجم خان»، ولكن ماذا يعني مصطلح: «الخيانة الجميلة»؟ كما يسأل المؤلف، والذي يضيف عدداً من الأسئلة الأخرى، مثل: لماذا توجد عدة ترجمات مقبولة للعمل نفسه؟ ما الخدمات التي قدّمتها القواميس الأولى المختلفة؟ كيف يمكن ترجمة «الجاز» الأميركية إلى اللغة الآرامية؟ هل أن هيمنة اللغة الانجليزية خطر على التنوع اللغوي؟

هذه الأسئلة جميعها، وفي الوقت نفسه، تمثل مسائل مهمة، يناقشها المؤلف انطلاقاً من تصوّر أن القارئ ذاته هو من يطرحها. وأنه أيضاً من يستقي إجاباته من عينات مختلفة ومتباينة من الترجمات، وذلك عبر ذكر الكثير من الشخصيات الأدبية والفلسفية والفنية، مثل: شارلي شابلن وكريستوف كولومبس وفرانز كافكا وجورج بيريك وغيرهم.

ويبين المؤلف أن الترجمة فن صعب يستدعي معرفة اللغة المترجم منها واللغة المترجم إليها، وأيضاً وأساساً معرفة الموضوع المعني بها. وهكذا يشير المؤلف إلى أنه توجد مثلاً في اللغة الروسية كلمة للتعبير عن الضوء الأزرق وأخرى للأزرق الغامق، وثالثة للأزرق البحري.

تبقى الترجمة - حسب ما يشرح المؤلف، أحدى سبل التواصل مع الآخرين، بل إنها جزء لا يتجزأ من العلاقة معهم. وذلك أن رفض الترجمة يعني رفض ما يريد أن يقوله الآخرون لنا.

وعبر الترجمة يمكن للبشر أن يعيشوا إنسانيتهم بصورة أشمل وأعمق. ثم إن اللغات تختلف في وصفها للعالم، إذ لا تراه بالطريقة نفسها، تماماً. كما ثم أن رؤية العالم محكومة بالكثير من العوامل والأفكار والإيديولوجيات، وبالتالي يمكن للترجمة أن تزيد وجودنا ثراءً. ثم إن البشر يتقاسمون الحاجات عينها، ويعانون من أشكال الخوف ذاتها، وتختلج في داخلهم الرغبات عينها.

ويلفت المؤلف إلى أن البشر يتكلمون لغات مختلفة، منذ القديم. وكان اليونانيون القدماء لا يعيرون أي انتباه، إلا لما قيل في اللغة اليونانية، وكذا اعتبر الرومان أنه ينبغي على الجميع تعلّم اللغة اللاتينية. إضافة إلى انه انتشرت لدى جميع الشعوب، رغبة تعلّم لغات جيرانهم. وأما في عالم اليوم، وخاصة في هذه الحقبة (المعولمة)، فقد أصبح اللجوء إلى الترجمة حتمياً، ذلك لمواجهة تنوّع اللغات. وبهذا المعنى تساعدنا الترجمة على أن نؤدّي عملنا، بل وعلى أن نعرف من نحن؟

ويؤكد مؤلف الكتاب، باستمرار أن هناك خصوصيات لكل لغة، تجعلها حاملة لبعض التمايزات. وتتم الإشارة في هذا السياق، إلى أنه هناك اليوم حوالي 7000 لغة في العالم، ولكن الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة الانجليزية، تختلف عنها في الاتجاه المعاكس. وفي كل الحالات، فإنه هناك 50 لغة فقط، تسهم بشكل فعّال في حركة الترجمة بين الثقافات.

ويرى المؤلف أن الترجمة ينبغي أن تكون بمثابة، إعادة كتابة الأعمال الأجنبية باللغة التي يتم نقلها إليها. وتأتي الصعوبة في أحيان كثيرة، من كون أن هذه اللغة المنقول إليها، قد لا تحتوي على ما يعادل الموجود باللغة الأصلية (المنقول منها). وهكذا فإنه يتم في أحيان كثيرة، استخدام كلمة في مكان أخرى، وهذه ممارسة شائعة جداً، كما نقرأ.

وفي الختام يؤكد المؤلف، أن الكتب المحررة باللغة الانجليزية، لها ميزة كبيرة من حيث الانتشار، مقارنة بالكتب المحررة بلغة أخرى. والكتب التي تتم ترجمتها إلى اللغة الانجليزية، خاصة من لغات «محيطية» لا «مركزية»، تدخل من البوابة التي قد تؤدي إلى ترجمتها إلى لغات أخرى. وهذا (ثمرة) للسياق الدولي الراهن الذي يتفوق فيه العالم الأنغلوسكسوني. لكن هذا لا يمنع واقع أن اللغات تتطور باستمرار، كي تستجيب لحاجات مستخدميها.