لن نعطيهم الغراب ولا غيره..
زكريا محمد زكريا محمد

لن نعطيهم الغراب ولا غيره..

بحثت إسرائيل قبل سنوات عن طائر تكرسه كطائر وطني، لكن الأمور عاندتها قليلا. احتارت أي الطيور يصلح لها كرمز.

 

ذهبت في البداية إلى طائر الشمس المعروف، وهو نوع من طيور الجنة، بلونه الأسود الملفوح بالزرقة- المخضرة التي تنكشف أكثر ما تنكشف في الشمس. ويمكنكم أن تشاهدوا هذا الطائر في حدائقكم، أو على بلكوناتكم إن وضعتم فيها نباتات مزهرة. فهو يدفع بمنقاره الطويل إلى أعماق الزهرة كي يمتص رحيقها. فطائر الشمس يعتاش على ما يعتاش عليه النحل. إنه في الواقع نحلة كبيرة زرقاء.

اختيار جيد للإسرائيليين. فليس هناك أجمل ولا ألطف من هذا الطائر الصغير..

لكن المشكلة أن اسمه العلمي هو «طائر الشمس الفلسطيني». وعليه، فحين يريد أحد ما أن يتعرف على طائر إسرائيل في موسوعة ما سيجد أنه «فلسطيني»!

مشكلة؟ أليس كذلك؟

إذاً لنبحث عن طائر آخر. لنذهب إلى البلبل. إلى الطائر الذي يأخذ لون الفجر. طائر يولد من جمع الخيط الأبيض مع الخيط الأسود من الفجر. تسمع غناءه الحبيب قبل أن تصحو تماما، كأنه طفل يناغي أمه، أو كأنه أم تناغي طفلها في الفجر.

اختيار جيد آخر.

لكن المشكلة أن (بلبل) تعطي معنى (العضو الذكري) في العبرية. وهذا يطيح بالفكرة من أساسها. إذ سيسأل بعض السمجين في الشارع: «هل رأيت البلبل يا عنات؟»، ويكون مقصده العضو الذكري. فوق هذا فجذره يعني البلبلة والتحير. إذاً،  هذا لا ينفع.  لا ينفع.

لقد نجا البلبل، إذاً، بعد أن نجا  طائر الشمس الفلسطيني من قبضة الصياد الإسرائيلي.

ماذا تبقى إذاً؟

تبقى الغراب الفلسطيني. ليس الغراب الأسود، بل الغراب الرمادي، الممسوح بذرة تراب بنية. رأس أسود وجناحان سوداوان، وظهر رمادي مع ذرة من تراب.

ربما نجح هذا. ربما نجح. فليس في اسمه ما يدل على فلسطينيته. كما أنه لا يكشف عضوه الذكري. وسيقول كثير من الفلسطينيين: هذا جيد، خذوه. خذوا غراب البين، لعله يكون رمزاً لبعدكم الذي نتمناه عنا. لينعق الغراب ببينكم. والأدب العربي مملوء بما يشين عن الغراب.

قال جميل بن معمر:

ألا يا غراب البين فيم تصيح؟

فصوتك مشني إلي قبيح

وكل غداة لا أبا لك تنتحي

إلي فتلقاني وأنت مشيح

وقال قيس بن ذريح:

ألا يا غراب البين لونك شاحب

وأنت بلوعات الفراق جدير

وهكذا، فثم أناس مستعدون لأن يعطوا الإسرائيليين الغراب، كرمز للشؤم.

بالنسبة لي لست مستعدا لأن أتخلى عن الغراب. فأنا أحب حجلته أمام عيني. أحب نعقته المندهشة الغاضبة. فوق هذا، فالغراب هو من زرع أول نخلة في الكون، حسب الأسطورة البابلية. وهل يشك أحد في أن النخلة عربية؟! ثم إنه هو من دل عبد المطلب أين يحفر ماء زمزم بنقرته. فقد حفرها: «عند نقرة الغراب الأعصم».

لكنهم، حسب ما فهمت توصلوا أخيرا إلى الهدهد بتاجه الجميل، استنادا إلى قصة سليمان والهدهد. والهدهد باسمه طائر عربي. أليس هو (قِناقن)، أي خبير الماء السفلي ومهندسه؟ إنه أخو الغراب، وزميله في الخبرة بالماء السفلي، بذا فلن يسمح هو لهم بأن يأخذوه. كل شيء في هذه الأرض يعاند إسرائيل.

كل شيء يجب أن يعاندها.