كتابان يكشفان عورات النظام التونسي المأفون

كتابان يكشفان عورات النظام التونسي المأفون

بعد سقوط بن علي، وبقاء نظامه حتى الآن (؟)، ظهر على الواجهة كتابان مهمان صدرا منذ سنوات هما: «صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي» تأليف: نيكولا بو، جان بيير توكوا، و«حاكمة قرطاج» تأليف: نيكولا بو، كاترين غراسييه..

والكتابان اللذان تشترك فيهما الصحافية نيكولا بو يكملان بعضهما، ويشكلان صورة بانورامية واسعة لطريقة الاستيلاء على تونس من خلال بن علي في الكتاب الأول، والدور الدموي والحديدي لزوجته ليلى طرابلسي في الإتيان على مقدرات البلاد في الكتاب الثاني..

ينبغي أن نشير إلى أن الكتابين الفرنسيين ظلا ممنوعين ومحاربين بشدة في تونس حتى تاريخ هروب زين العابدين، وأن نشير أيضاً إلى أن الأول ترجم إلى العربية بتوقيع زياد منى وصدر عن دار «قدمس» بدمشق، بينما الثاني لا يزال ينتظر التعريب..

• صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي:  أكذوبة المعجزة التونسية

يتحدّث الكتاب في 274 صفحة عن نظام حكم زين العابدين بن علي وتجاوزاته، فيقدم، في ثلاثة أقسام تضم عشرة فصول وملاحق، رواية مخالفة لسيرة الرئيس التونسي الرسمية، من خلال معلومات كثيرة، بعضها شخصي للغاية، تبين لنا حقيقة هذه النفسية التي شكلت أرضية لأسلوب الحكم التونسي منذ بدايات عهد ما سمي زوراً بـ«المعجزة التونسية».

ويلاحظ المؤلفان أن صعود الرئيس التونسي في المناصب حصل في مراحل مواجهة دامية في أحيان كثيرة مع المعارضة التونسية القومية العربية واليسارية والإسلامية.

ولا يتجاهل الكاتبان «الربيع الديمقراطي» الذي ساد في تونس فور تسلم بن علي الحكم حيث عمل على إطلاق سراح كثير من المعتقلين السياسيين، إضافة إلى التصالح مع قيادات من الحركات التونسية المعارضة. كما يتناولان سلسلة الإجراءات التي يزعم النظام أنها أسست دولة القانون، إذ ألغى نظام توقيف الأشخاص وحدده بأربعة أيام فقط، وألغيت محكمة أمن الدولة التي حاكمت أعضاء الحركات الإسلامية التونسية، وألغى التعذيب «رسمياً»، وسمح بتأسيس فرع لمنظمة العفو الدولية، وهي الإجراءات التي دفعت بالكثير من مثقفي تونس إلى تأييد بن علي. غير أن الكاتبين يعملان على توكيد سطحية هذه الحملة فانتخابات الثاني من نيسان عام 1989 جرت في أجواء تزوير شامل، حصل بموجبه نواب الحكومة على كل مقاعد البرلمان، بينما حصل الرئيس زين العابدين على ما لا يقل عن 99.20% من أصوات الناخبين!!

لقد أظهرت «انتخابات» عام 1989، حسب الكاتبين، الاتجاه العام لتطور الحياة السياسية في تونس وما آلت إليه الأوضاع هناك حتى يومنا.

طورد هذا الكتاب مطاردة شرسة في طبعته العربية، فقد طلبت السفارة التونسية في بيروت من السلطات اللبنانية المختصة منع توزيعه في مكتبات لبنان، ولكن دون استجابة لبنانية. كما طلبت السلطات التونسية سحبه من السلطات الأردنية التي بادرت إلى حظر توزيعه. وكانت السفارة التونسية في دمشق قد احتجت لدى وزارة الإعلام على إجازتها تداوله، فجرى سحبه من الأسواق السورية.. والمثير للاستهجان حقاً أنه صدر في فرنسا ولم يجر أي اعتراض عليه هناك..!

• حاكمة قرطاج:  يد مبسوطة على تونس

تدريجيا بسطت ليلى طرابلسي وأفراد عائلتها أيديهم على الاقتصاد. وقد قررت «الحلاقة» أو «الحجامة»، كما يسميها التوانسة، أن تلعب دوراً حاسماً في خلافة زوجها. وقد نجحت هذه المرأة «الطموح» بتوظيفها لكل الأسلحة التي وجدتها في المتناول، فهي رئيسة لعشيرتها وفي الوقت نفسه زوجة وفية.

تشير الكاتبتان إلى أن ثمة اتفاقاً ضمنياً بين بن علي وحلف ليلى: يهتم الأول بقضايا الأمن والملفات الدبلوماسية الحساسة والتحكيم الأخير، فيما يهتم الثاني بالعقود والصفقات وبسط الهيمنة على كل المشاريع.

وحسب الكتاب يشبه عالم عائلة الطرابلسي، على أكثر من صعيد، عالم بيرلوسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي. 

كدس المقربون من النظام ثروات هائلة، لكن لا أحد بسط هيمنة كلية على هذه الثروات. وابتداء من 1996 أينعت شراهة عشيرة ليلى الطرابلسي، إذ استحوذ أخوها الأكبر، بلحسن، على شركة الطيران، التي ستصبح «كارتاجو- آيرلينز»، والتي حولها إلى محور تجاري للعائلة. ما من أحد من أقارب ليلى إلا استحوذ على قطاع من قطاعات اقتصاد البلاد. إذ يستعرض الكتاب شراهة حلف الطرابلسي، واغتناء الإخوة، والأخوات، السريع، والفضائح التي تسبب فيها البعض مثل عماد طرابلسي، الذي سرق يختاً بقيمة 1,5 مليون يورو من ميناء بونيفاسيو بكورسيكا.

أمام شراهة عائلة ليلى، حاول بن علي أن يلعب دور الحاكم المغلوب على أمره. غير أن زوجته تملك سلطة أقوى من سلطة الوزير الأول ويمكنها أن تقلب الحكومة، تعين وتسرح السفراء والمدراء العامين كيفما يحلو لها.

ضربت شبكة أقربائها والمقربين منها خيوطا عنكبوتية حول كل القطاعات: الهاتف الخلوي، البنوك، التعليم الحر..

وهو ما أوصل مختلف شرائح الشعب التونسي إلى الإنهاك، ما جعل الرياح تدور في غير الاتجاه الذي يشتهيه نظام بن علي، وهو ما أوصل البلاد إلى ثورتها المظفرة التي أطاحت بعصبة اللصوص القابضة على عنق البلاد..