السينما الصهيونية والكذب الذي صدقه العالم «2-2»
بعد نكبة عام 1948 وإقامة الكيان الصهيوني على أجزاء من الأرض الفلسطينية، برز اهتمام الحكم العسكري الصهيوني بصناعة السينما، ليدفع بها المتلقي الغربي للاقتناع بهذا الكيان القائم، ونسيان ما يسمي بفلسطين، وهذه المرحلة أظهرت السينما، اليهودي،
على انه هو الذي ساهم في بناء الحضارة الإنسانية، ومن خلال التركيز على الأفلام الوثائقية، التي كان لها دور كبير في الحصول علي تبرعات لصالح كيان الاحتلال الصهيوني. وتقدر التقارير عدد الأفلام الوثائقية الصهيونية من عام 1948 إلى عام 1960، بثلاثين فيلما، وحاز فيلم الخروج الذي أنتج عام1960 شهرة كبيرة، بينما بلغ عدد الأفلام في سنة 1964 وحدها – 22 فيلماً، وبلغت ميزانية إنتاج الأفلام الوثائقية الصهيونية ما يقرب من مليون دولار سنويا، في ذلك الوقت.
كما استطاع رأس المال الصهيوني المسيطر على السينما الأمريكية أصلاً، أن ينقل دائرة هذه السيطرة إلى السينما الأوروبية، حيث أنتج أفلاماً أوروبية تحمل جنسية «إسرائيلية»، ووصل عدد الأفلام المتأثرة بالفكر الصهيوني إلى 60 فيلم روائي، يتحدث أغلبها على أخلاق اليهود الحميدة وإنسانيتهم، والتركيز أيضا من خلال هذه الأفلام على ضعف وهزيمة العرب أمام الكيان الصهيوني، كما عرض فيلم حقيبة القاهرة عام 1965، والذي تدور قصته حول مايك مريك، أحد العملاء الصهاينة، الذي يتمكن من الحصول على عمل في القاهرة في المركز الذري للصواريخ الذي يديره العالم الألماني شليين، وكانت أولى وأهم ثمرات التعاون السينمائي الصهيوني مع هوليود فيلم «سيف في الصحراء» عام 1949 من إخراج «جورج شيرمان» وكان هدف الفيلم الدفاع عن موقف بريطانيا المساند لقيام الكيان الصهيوني، من خلال تصوير العلاقة بين الصهاينة وبريطانيا على أنها علاقة عداء نتيجة دعمها للعرب والفلسطينيين، وبرز في الفيلم دور الولايات المتحدة في دعم الكيان الصهيوني من خلال البطل الأمريكي الداعم للصهيوني،
وبعد نكسة حزيران 1967 ، ازداد خطر السينما الصهيونية، وذلك بعد احتلال جديد لبقية فلسطين «الضفة الغربية وقطاع غزة» وشبه جزيرة سيناء والجولان، وظهرت الأفلام التي تدعو العرب لنسيان قضية فلسطين وتقبل وجود الكيان الصهيوني، من منطلق أن حق اليهود في فلسطين كان مسلوباً فاستعادوه، و قد ساهم هذا الاحتلال الجديد في إفراز سينما مكشوفة الأيديولوجيا والرؤى، سينما دعائية ذات منحى عنصري بحت، ومن أفلام هذه المرحلة معركة سيناء1968 وفيلم اهمس باسمي1972 إخراج جيمس كموللر، وفيلم ملحمة الخلاص، والذي يدور حول قيام الجيش الإنكليزي عام 1944 بإلقاء القبض على 251 يهوديا في فلسطين، ثم إرسالهم إلى معسكر في السودان ثم إلى أرتيريا وكينيا، ويقوم هؤلاء بإضراب كبير من أجل العودة إلى «الوطن «، بعد 16 ساعة من «إعلان» قيام الكيان الصهيوني، ويعودون بالفعل ليصبح منهم الجنرالات ووزير العدل – شاموئيل تامير، وفيلم راشيل راشيل، وكان من تمثيل جوان وود وارد، يروي قصة أمريكية تهاجر إلى فلسطين المحتلة «وطن كل يهود العالم»، وفيلم كل لقيط ملك، يسرد قصة صحفي أمريكي يصل وزوجته إلى الكيان الصهيوني، بهدف كتابة مقالات عن «إسرائيل»، ويجد هذا الصحفي أن مفهومه للوجود يتغير بعد حرب 1967، حيث يجد الصحفي نفسه في أجوائها من خلال تأثير شابين، الأول مرح والثاني ذو إرادة طيبة يبحث عن إقامة السلام بين الكيان الصهيوني والدول العربية. ويعرض الفيلم مشهد حرب الدبابات بين الكيان الصهيوني ومصر قرب مدينة رفح. ومع تنامي الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، وتحرك منظمة التحرير الفلسطينية وبدء مرحلة العمليات البطولية، التي حققها الفدائيون داخل الأرض المحتلة، وعلي تخومها، ظهرت سلسلة من الأفلام التي كرست لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وأعمال الفدائيين مثل الأحد الأسود ورازوباد وعملية عنتيبي.
وشكلت هزيمة الكيان الصهيوني في حرب تشرين الأولأكتوبر 1973، صدمة للعقل الصهيوني الذي فقد اتزانه. حيث صور الإعلام الصهيوني الصراع في المنطقة على أنه صراع صهيوني - عربي، وهي الفكرة مقصودة طبعا، تنص على أنها «دولة» صغيرة تواجه أكثر من عشرين دولة عربية، وبعد تلك الحرب باتت الدولة المحتلة في مواجهة الفلسطينيين فقط، الذين مارسوا ضدهم اضطهادا نازيا صهيونياً وهم أهل الأرض، وبدأت في تجاهل حق الفلسطيني في أرضه وتشويه صورته من خلال مجموعة من الأفلام الصهيونية والأوروبية.
ومن أهم أفلام تلك المرحلة «حوار عربي – إسرائيلي»: وهو عبارة عن حوار بين الشاعر الفلسطيني راشد حسين والكاتب الصهيوني عاموس كينان . « حيث يعترف عاموس كينان بالحقوق الفلسطينية في أرض فلسطين ولكنه يؤكد «أن حقنا - الصهاينة - في هذه الأرض ليس أعلى من حقكم فيها. ولكن سأقاتل لأثبت كونه متساوياً». ويضيف الكاتب الصهيوني عاموس كينان في الفيلم قائلا : «اليهود هم الديناصورات الذين طردوا أجدادك من فلسطين قبل مليون سنة» .
أما راشد حسين فهو يذكر بأن «المهاجر اليهودي يتمتع بحقوقه أكثر مما له هو في وطنه، وحتى هذا الإنجاز الذي يدعى اشتراكيا مثل التعاونية اليهودية فهو في الواقع تمييزي «أنا لم يكن لي الحق في الانضمام إلى التعاونية التي تأسست من أراضي عائلتي». ويقول : «والذي هزني هو أن الناس الذين كانوا ضحايا أصبحوا جلادين»، و بالنهاية يتوافق عاموس كينان من جهته مع راشد حسين حول هذه النقطة ويقول «حقي في العيش يساوي حقك في العيش في وطنك» .
وهنا تبرز الأهداف الاستعمارية من الحوار لترسيخ حق التواجد الصهيوني في الأراضي العربية، وإن كان في ظل صياغة تجاورية تتضمن اعترافاً متبادلاً بالحق في الوجود على أرض فلسطين.
السينما الصهيونية شكلت خلال السنوات الماضية، خطراً على القضايا العربية والقضية الفلسطينية بالتحديد، ولن تتوانى عن استغلال المتغيرات الدولية الأخيرة، وتبقى السينما ساحة صراع أساسية ضمن الحالة الثقافية، في مواجهة عدونا الصهيوني، وللأسف الشديد، لم نثبت وجودنا فيها بعد، وعلى مدى نجاحنا في الدخول إليها كطرف فاعل ومؤثر، تتوقف قدرتنا على الرد على المزاعم والأكاذيب الصهيونية بذات الأسلوب.