فرانز فانون.. سيرة حياة

فرانز فانون.. سيرة حياة

لا تزال شخصية فرانز فانون، ابن المارتينيك، الشهير بنضاله ضد الاستعمار حاضرة في الأذهان. ومن آخر الأعمال عن سيرة حياته، وربما أكثرها اكتمالا، صدر قبل أسابيع قليلة في فرنسا العمل الذي أعدّه عنه دافيد ماساي، الذي توفي قبل فترة وجيزة وهو في الثانية والتسعين من العمر، تحت عنوان: «فرانز فانون، سيرة حياة».

يشير المؤلف في بداية كتابه أنه أراد كتابة سيرة حياة فرانز فانون، صاحب العمل الشهير «المعذّبون في الأرض» الصادر عام 1962، في الوقت الذي بدا فيه أن العالم قد نسيه. وكذلك بعد أن كان كُثر من حاولوا أن يرسموا له صورة «كاريكاتورية»، هذا إذا لم يواجهوه بالرفض وعدم الفهم. ويشير المؤلف أن آخرين أرادوا اختزال فرانز فانون، إلى مجرّد مناضل باسم «العالم ثالثية». كما فعل بالتحديد جان بول سارتر. لكن فانون الثوري لا يزال يثير الكثير من التساؤلات، وكذلك الأمر عن الدور الذي لعبه. ويطرح المؤلف السؤال التالي: من كان في الحقيقة فرانز فانون؟

ويؤكد المؤلف أن فرانز فانون كان بعيدا جدا عن صورة الرجل العنيف والداعي للعنف الذي رسمه عدد من الكتّاب مثل باسكال بروكنر في كتابه الذي حمل عنوان: «نحيب الرجل الأبيض»، أو الفيلسوف آلان فينكلكروت الذي اعتبر أن أفكاره هي التي استلهم منها أبناء ضواحي المدن الفرنسية الكبرى عنفهم أثناء اضطرابات صيف عام 2005.

مقابل هاتين الصورتين وغيرها من الصور التي تقدم فرانز فانون على أنه كان مجرد مثير للشغب، يشرح كاتب هذه السيرة أنه كان يمتلك بُعدا استثنائيا من حيث الرؤية المستقبلية التي اتسم بها. وبهذا يمثل هذا العمل نوعا من إعادة الاعتبار له بعد خمسين سنة من وفاته. ويصف المؤلف نفسه عمله أنه محاولة لرسم صورة رجل تحرر من الاستعمار.

ومن الأفكار التي يؤكد عليها المؤلف في شخصية فانون قوله أن سنوات طفولته تضيء الكثير مما عرفه في سنوات شبابه وإضافة أن مسار حياته يجد نقاط ارتكازه في تربيته الأسرية وما عرفته من أفكار. وأن ذلك الطفل المولود في المارتينيك كان ملك كرة القدم بين رفاقه. وإذا كان قد اكتسب منذ تلك الفترة جسدا صلبا فإنه لم يكن هناك ما ينبئ أنه سيصبح صاحب القلم الذي كتب «المعذبون في الأرض» وصاحب مقولة: «الجلد الأسود والأقنعة البيضاء».

كان فانون، كما يقدمه المؤلف، قاسيا إلى حد ما، في محادثاته مع الآخرين، ولكنه كان محبا للمعرفة ومنفتحا على الآخر. وينقل المؤلف عن المؤرخ باسكال بلانشار عنه: «لقد حطّم قبل الآخرين بكثير الحدود الضيقة حيث تجد كل مجموعة نفسها أسيرة عالمها ولونها. وقد اخترق المرآة الاستعمارية وفتح الطريق التي كان قد نجح القلّة من الناس في ولوجها والذين حملوا أسماء مثل ألبير كامو وألبير لوندر وأندريه جيد».

وعن هوية فرانز فانون، يرى المؤلف أنه كان متعدد الهويات. قالوا عنه إنه مارتينيكي وأسود ومتشرّب للثقافة الفرنسية وجزائري وإفريقي. لقد كان فانون يمتلك عددا كبيرا من المسميات مما يسمح برؤيته من خلال منظور الاختلاف. وكان فانون يعتقد بما هو كوني لدى الإنسان.

عاش فرانز فانون في أجواء المدينة. وكان محبا للمرح أثناء سنوات مراهقته. وجعلت منه قوة شخصيته نوعا من رئيس العصابة الذي تحوّل بعد ذلك إلى ممارسة القراءة في عزلته. بكل الحالات لم يكن هناك ما يسمح بالتفكير أنه سوف يغدو أيقونة للعالم ثالثية الثورية. كما يكتب مؤلف هذه السيرة. ثم يحدد القول أن نزعته تحو الرفض والتمرّد تعود إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي وضعت حدا نهائيا لـنشاطات الشغب ولساعات القراءة في المكتبات.

أيقظت تلك الحرب وعيه المناهض للعنصرية ورفض مفهوم السواد المرتبط بالعبودية الذي كان قد نبّه إليه أستاذه بمادة الأدب في الثانوية إيمي سيزار، المتوفي عام 2008. وعلى خلفية مثل تلك الذهنية تكوّنت لديه نزعة الطموح لاكتساب رؤية كونية وانتماء كوني للإنسان بعيدا عن ثنائية الأبيض والأسود. ولم يكن فرانز فانون يتردد في تأكيد القول: «العبد الأسود- غير موجود. وكذلك الأبيض ليس موجودا». ذلك بمعنى أنه لم يكن يرغب في تحديد نفسه داخل هوية حصرية.

وكان يعتبر أن الحرية واحدة ولا تتجزأ. هكذا التحق في جيش فرنسا الحرة، ضد الاحتلال النازي. لقد كان جنديا أسود في جيش أبيض على خلفية إحساسه أنه كان مواطنا من الدرجة الثانية، الأمر الذي دفعه للتساؤل عما إذا كان مارتينيكيا أسود أو أوروبيا أبيض.

ذلك بعد ملاحظته أن الجنود السود لا يتلقون معاملة الجنود البيض نفسها. ثم لاحظ في باريس ثم في ليون، حيث درس الطب، أن المهاجرين يتم عزلهم على أسس عنصرية عرقية- وجغرافية. تجربته تلك شكلت موضوع عمله: «جلد أسود وأقنعة بيضاء» الذي كان ثمرة سبع سنوات من التجارب والملاحظات، كما يكتب فانون نفسه.

أما الحكمة التي مثلت عمق مسار فانون فهي الحكمة التي مثلت عمق مسار فانون أما  الحكمة التي مثلت عمق مسار فانون النضالي فيحددها المؤلف في القول: «لا يكفي تحرير الأرض ولا بد من تحرير العقول».