إضاءت سينمائية : راشومون.. الإنسانية إلى أين؟

إضاءت سينمائية : راشومون.. الإنسانية إلى أين؟

«راشومون»، رائعة المخرج الياباني «أكير كوروساوا»، والذي يعتبر رمزاً من رموز السينما العالمية في خمسينيات القرن الماضي

تبدأ القصة التي تدور حول ثلاثة أشخاص  (إمرأة وزوجها المقتول وقاطع الطريق)، بمطر غزير. وتستمرالحكاية حيث يجلس كاهن وحطاب تحت أنقاض معبد راشومون، ويتساءلون: «هم فقط لا يعرفون» بعيون مرتقبة تحت غضب السماء، حول ما حصل، الارتباك نجده في عيونهم المترقبة. يمر عابر سبيل ويسألهم ماذا هناك؟ لماذا؟ لايفهمون؟ في الحكاية.. لكل قصته، ولكل كذبته أيضاً، وتمثل مشاهد الفيلم شهادات متباينة لشخصيات القصة (الكاهن والحطاب وقاطع الطرق والزوجة وروح الزوج) في سرد مطول مصاغ من المخرج «كوروساوا»، استقاه من  كتاب لـ«رينسكو أكوتاجاوا»، عنوانه «في بستان». سيناريو مذهل بقوته ودقته في حبك الحقيقة وتسترها بين شخصيات العمل.. يقول الكاهن في البداية:«الحياة الإنسانية حقاً ضعيفة، تنتهي كالندى مع الصباح..».

وللعلم، فإن جزءاً كبيراً من كادر العمل لم يفهموا العمل بشكل عميق أثناء التصوير، وطلبوا من «كوروساوا» تفسيراً، فرد عليهم قائلاً: «الطبيعة الإنسانية هكذا، الإنسان مغلق أمام نفسه، حتى حين يتحدث عن نفسه. الأبطال في السيناريو يعبرون عن ماهية الإنسان، عن أنه لا يستطيع ولا يود أن يعيش دون كذب. وهذه الميزة الإنسانية مفضوحة بعمق في السيناريو. أحد الأبطال يسكت عن الحقيقة ليس فقط في الحياة، لكن بعد الموت. وأنتم تؤكدون أن السيناريو غير مفهوم، ولكن النفس الإنسانية غير مفهومة أيضاً. خذوا العالم الداخلي للناس، فهو بحد ذاته أحجية ويقيناً ستفهمون الفيلم». وهكذا اختصر «كوروساوا» ما يمكن استنتاجه من هذا العمل الإبداعي، عندما أثارالتساؤل حول من يقول الحقيقة..؟ ولا يحصل المتلقي على جواب.. المطر المتساقط خلال السرد يغسل، ويفضح الإنسانية، فمع كل قصة، يختصر كل راوٍ  الصدق والإنسانية  في شخصه ويكذب الآخرين، وهو طبعاً كاذب... فالإنسانية كاذبة وهنا نجدها حتى بعد الموت تصر الروح على الكذب.

في المشهد الأخير طفل يصرخ، الأمل  بالإنسان قد عاد، ها هو الطفل القادم بلا ذنوب يأتي باكياً على ضياع وتشرذم الإنسانية وما آلت إليه، يقول الكاهن في البداية «سأفقد إيماني بالإنسانية فهي أسوأ من قطاع الطرق والحرب والطاعون والمجاعات....». من الجوانب المفصلية في إبداع هذا الفيلم مشاهد التصوير، حيث تواجه الكاميرا الشمس مباشرة، وربما كان هذا أول عمل يخترق هذه الفكرة الممنوعة سابقاً، فقد كان الشائع أن الشريط يحترق إذا ما توجه إلى الشمس، وهنا تتوضح لنا رغبة المخرج في مواجهة الحقيقة،  فكانت الشمس توهمنا بتجلي هذه الحقيقة ولكن الغموض يعود ثانية مع أغصان الشجر التي تخبئ ضوء الشمس والحقيقة. يؤكد بعض المحللين أن الفيلم يرمز لحيرة اليابان وفقدان هويتها بعد الهزيمة ونتائج القنبلة الذرية.