بين قوسين:هزائم بالجملة والمفرّق
سيبقى عام 2011 في البال طويلاً. مطلع العشرية الثانية من القرن لا يشبه ما سبقه. كأن زلزالاً أطاح بالخريطة العربية، فخلخل طمأنينة التضاريس.
ربيع عربي لكنه أزهر دماً يفيض عن حاجة البشر الذاهبين إلى زمنٍ آخر بكل خيلاء الحرية. سنحتاج إلى تفسير لمآل هذا البركان، كي لا ننظر بقدسية مطلقة إلى «أيقونة» الثورات العربية. هناك خطوط وإشارات ملتبسة وغامضة في قماش «الحرية تقود الشعب». راكبو الموجة الثورية لفرط تدافعهم كادوا أن يزيحوا القطار عن سكته المستقيمة. هناك حشد طويل صعد إلى القطار من دون أن يدفع ثمن التذكرة. إنها ثورة عوام أكثر منها ثورة نخبة. لكن الشباب العاطل عن العمل وجد فرصته أخيراً في مواجهة ديناصور الفساد فازدادت الشرارة اشتعالاً وفوضى وضحايا. لنعترف أن دورة حياة اكتملت، وقد آن الأوان لكسر بيضة الرخ والخروج منها إلى هواء آخر. ثورة الميديا والفضائيات المفتوحة على الفتاوى من جهة، والعري من جهة أخرى، وضعت العقل العربي في مأزق البحث عن خلاص، وطي الصفحة المثخنة بالجراح والكرامة المهدورة، واحتضار قيمة العلم.لا نعلم إلى أين سيقودنا هذا الربيع: إلى خريف بأوراق ذابلة أم إلى زمهرير شتاء مظلم، أم إلى عتبة جديدة تليق ببشر عاشوا خنوعاً طويلاً؟ ما نحتاجه مرةً أخرى فحص واختبار اللحظة عن كثب شرط ألا نشيّطن الثورات، مثلما لا يجوز أن نقدّسها وكأنها صنم.
ما يحصل أننا إزاء حماسة بدوية وحداء في صحراء من جهة، ومحاولة لاستعادة آدميتنا المنتهكة من جهة ثانية.
الاستيقاظ المتأخر عربياً على وقع التغيير في العالم، عقدين على الأقل، بعد سقوط جدار برلين، واكتمال صورة العولمة، راكم حجم الخسائر العربية في مواجهة مشكلاتها المزمنة، لذلك فنحن نعيش اليوم هذا الانسداد التاريخي، وما يحدث اليومش هو حفر موطئ قدم نحو الضوء .
كيف نصف عاماً مضى بكل أحداثه؟ علينا أولاً، أن نتدرّب على أبجدية جديدة تنسف اللغة المستهلكة، ونتطلع إلى أبجدية دون شوائب. لغة عارية وغير مراوغة، وألا نستعير شعارات جوفاء قادتنا قبلاً إلى هزائم بالجملة والمفرّق!