الشعوب عندما تعبر عن نفسها

الشعوب عندما تعبر عن نفسها

لعبت سجلات الرقم في حضارات منطقة الفرات على حفظ اللغة التي كتبت بها لفترات امتدت حتى وقتنا الحالي، وهذا الحفظ  يشمل بقاء الرقم بصورة قابلة للقراءة بالإضافة إلى حفظ مفردات اللغة التي كتبت بها

ومن أهم هذه الرقم حسب بعض الباحثين هو ما تم العثور عليه في مملكة «ماري»، حيث كشف عن أرشيف ضخم في قصر الملك «زمري ليم»، والذي يعود للألف الثاني قبل الميلاد، ويتألف من حوالي 25 ألف رُقيم كُتبت بالخط المسماري، وباللغة الأكدية، ويشمل وثائق اقتصادية وإدارية ورسائل متنوعة.
كما وجدت رقم أخرى تحوي نصوصاً مسمارية في «ترقا» وتل «العشارة»، دونت بالكتابة المسمارية واللغة الأكدية، وتبحث في موضوعات متنوعة منها «نقوش ملكية، عقود تجارية، نصوص دينية.. إلخ».
كان  للتدوين دور في المحافظة على اللغة الأكدية لفترات امتدت آلاف السنين، حتى إن الكثير من الكلمات الأكدية لا زالت مستخدمة في اللهجة المحكية لأبناء وادي الفرات في العصر الحالي، وتوارثت بعض هذه المفردات اللهجة الفراتية كما هي دون أن يطرأ عليها أي تغيير، بينما أخذ بعضها الآخر المعنى المضادّ للكلمة، وهي ظاهرة طبيعية في لغات العالم جميعاً، ومنها العربية ولهجاتها، فمثلاً استخدمت كلمة «البَيْن» بمعنى الفراق بينما استخدمت بعض لهجاتها الكلمة بمعنى اللقاء والتواصل، والكثير من المفردات التي أخذتها اللهجة العربية الفراتية من اللغة الأكدية وأبقتها على حالها دون تغيير ككلمة (سيباط) مسكن، مُقام، وهي مفردة موجودة في اللغة الأكدية، مصدرها (subtum) سكنى، إقامة، والفعل «sabat أقام».
ومثلها كلمة (طخّى/ وطّخ) أخفض رأسه، دنا، لامسَ، وهي من الجذر الأكدي (tehu) دنا، لامس. وأيضاً (فلَّخ) أي  خاف وهرب مسرعاً وهي من الجذر «palah خاف» والمصدر منه (palahum) أي الخوف والفزع في الأكدية. ويشير معجم تاج العروس، أن الفعل «فلَّخ» يعني ضرب.
ومن المفردات الفراتية ما أخذ معنى معاكساً للمعنى الأصلي وهو ما سمي في علوم العربية «التضادّ» وهي ظاهرة طبيعية في اللغة، مثل «علَّصَ»: أي «انزعج وحنق وغضب»: وردت هذه الكلمة في الأكدية بمعنى معاكس elesu: أي «ابتهج، سُرَّ». ولم تثبت المعجمات العربيّة هذا الفعل أو معاكسه في المعنى رغم أن العربية أثبتت أفعالاً متضادّة أخرى كثيرة مثل وثبَ قفز/استقرّ، هذا الفعل الموجود في الأكدية بمعنى «استقر» wasabu. وشخَّر أي أصدر صوتاً من الحلق أو الأنف ترد هذه الكلمة في الأكدية بمعنى معاكس «suharrura»: صمتَ. حسب قول الشاعر:
«وحولك راياتٌ لهم وعساكرٌ     وخيلٌ لها بعدَ الصهيلِ شخيرُ».
وهناك مفردات عربية قديمة ما زالت مستخدمة ومنها مثلاً (خرت الإبرة) أي خرم اٌبرة.. وقد أشار الدكتور فاروق اسماعيل أستاذ اللغات القديمة أن حرف التاء الصفيرية بدير الزور له جذر في البابلية والأكادية ..