تواطؤ معلن
علاء حبيب علاء حبيب

تواطؤ معلن

أدخلت رأسي من الشباك، ونظرت مجدداً إلى ساعتي، ها هي أصوات الانفجارات تتعالى والدخان الكثيف يتصاعد من بعيد، مرت ساعة ونصف من الانتظار في أحد السرافيس بعد نهار قصير في العمل، «أمطرت القذائف مكان عملي ولم يشأ مديري تحمل أي مسؤولية، دخلت معركتي الخاصة للحصول على مقعد أو نصف مقعد في إحدى السرافيس، قليل من الانتظار وأصل البيت لأريح رأسي من كل هذا الضجيج..».

عاودت النظر إلى ساعتي، وأرجعت رأسي إلى الوراء، أردت ان أريح عيني قليلاً، لكن يداً صغيراً امتدت من الشباك فأفتح عيني على طفل صغير أسمر يريد القليل من النقود، كان يحمل في يديه بضع ليرات، كانت يده تلك تحاول جاهدة البقاء في مكانها بعد ان وقف على أطراف أصابعه يريد إبقاءها في الداخل، «ما أحقر هذا الزمان!»، مددت يدي إلى جيبي لأخرج بعضاً من النقود لأعطيها لهذا المسكين، كان يرمقني بعينيه السوداوين، تفقدت جيبي، لم يكن فيه سوى قطعة نقدية واحدة تكفي بالكاد ثمناً لوصولي البيت، «ما العمل الآن؟!»، بحثت وبحثت في جيوبي الأخرى، لا شيء، فقط هذه القطعة.
 نظرت إلى الطفل، ما زالت عيونه تبتسم لي، ولم أدر كيف خطرت على بالي فجأة خدعة جدي القديمة، وحدها يمكن أن تنقذني من هذا الموقف المحرج، مددت يدي إلى جيبي وأخرجتها مضمومة وفارغة من أي شيء..! مد الطفل يده ليتناول ما سأعطيه له، فتحت أصابعي داخل يده الصغيرة.. وأنا أبتسم في وجهه.. وأحاول أخذ تلك الليرات القليلة من يديه..
ضم الصبي أصابعه بسرعة، وضحك بصخب بعد أن اكتشف حيلتي، ضم النقود إلى صدره، ضاحكاً، يعاود المحاولة من جديد ويمد يديه علني أخرج شيئاً حقيقياً من جيبي هذه المرة، لكني أعيد محاولتي المصطنعة لخطف ليراته القليلة، فيضحك ثانية ويضحك قلبي معه لدقائق طوال.
تحرك السرفيس قليلاً، «لست مستعجلاً.. دعوني هنا»، أرجعت رأسي إلى الوراء شاهدت الصبي وهو يجري إلى الطرف الآخر من الطريق، ويلاقي طفلة أخرى اقتربت منه، حدقت فيه لأعرف ما يفعل، طلب منها أن تمد يدها، فمدتها كرر معها ذات الخدعة، سمعته يضحك بصخب بعد أن كُشفت خدعته، عندها ركض الصبي فتبعته الفتاة بسرعة ضاحكة هي الأخرى، «لست مستعجلاً..» ابتسمتُ برضا وأغمضت عيني مصغياً، «لست مستعجلاً.. فجيبي الفارغ.. مليء بالضحكات.. وهي اليوم .. لا تقدر بثمن..!!».