«التجربة».. السورية!!
س . ح س . ح

«التجربة».. السورية!!

وقف أمام المرآة .. يمكنك ملاحظة تغير ملامح وجهه.. يشعر بنشوة السلطة تسري في أطرافه.. تلاشى التلعثم على لسانه .. ارتفع صوته بثقة لم يعهدها.. لم يعد محط سخرية أحد من أقرانه ..لقد تغير.. وهو يعلم ذلك..

المشهد من الفيلم الألماني الرائع Das Experiment (التجربة)، حيث تدور أحداث الفيلم حول تجربة تحاكي «اختبار سجن ستانفورد» والذي تم إجراؤه في الواقع تحت إشراف فريق من الباحثين يقوده فيليب زيمباردو عام 1971، وهو يعد دراسة نفسية هامة عنيت بالاستجابات الإنسانية للأسير،وكثيراً ما أحيطت بشكوك من وجهة نظر أخلاقية وإنسانية.
نرى عملية تقسيم المشاركين العشرين في هذا الاختبار إلى مجموعتين، سجناء وسجانين على أن تدار التجربة ضمن مجموعة من الشروط أهمها حصول من يصمد طوال فترة التجربة على مكافأة مالية قيمة وبقائهم طوال تلك الفترة في سجن اصطناعي يحوي كل مايلزم من زنزانات وغرف إطعام ومنامة وكاميرات مراقبة وباقي اللوازم الكافية لجعله سجناً حقيقياً، تأتي الحيلة في خضوع المساجين لقوانين متوسطة الشدة في الحركة والمعيشة بينما يتم تنبيه الحراس إلى ضرورة الامتناع عن استخدام القوة الجسدية في ضبط المساجين وإلا سيتم استبعادهم من الاختبار وبالتالي حرمانهم من المكافاة المالية، ويتم تشغيل ضوء الإنذار من المختبرين عند ارتكاب أي من الحراس أو المساجين لأي خطأ.
تبدو التجربة بسيطة في البداية حيث يسعى الجميع للخروج منها بأسرع ما يمكن إلا أن التوتر كان يتصاعد تدريجياً بين المجموعتين ولم يعد بالإمكان الحفاظ على التوازن دون أن يتم أخذ إجراءات متطرفة من الحراس لتتصاعد الأمور بسرعة بين الفريقين في إطار درامي مشوق يستعرض التغييرات النفسية والعقلية المتسارعة لجميع المشاركين بأسلوب مثير جداً للاهتمام. وتظهر العديد من الرسائل المبطنة للمشاهد تتجلى تدريجياً في أفعال الجميع.
يتحدث الفيلم عن أبدية الصراع الأزلي على القيادة في الجماعة الواحدة، وما يرافق ذلك من سطوة وتجبر وتجاوزات واعتداءات قد تصبح دموية، كما خاطب معضلة وصول المهمش اجتماعياً إلى السلطة وما قد تفعله شخصيته الضعيفة من أعمال انتقامية تنصبه ديكتاتوراً جديداً يشبه سابقه إلى حد بعيد، تكلم عن سياسات القمع عن طريق توليد الإحساس بالخوف لدى السجناء، وشيء من التعسف يجعلهم يشعرون بأن النظام يسيطر على حياتهم، ويسلبهم من شخصياتهم وفرديتهم بمختلف الطرق، بالنتيجة سيقود كل هذا إلى شعور بفقدان السيطرة من طرفهم ويتم تقسيم الجماعة بين قطيع وراع للقطيع من قبل أياد خارجية (أصحاب الاختبار)، مما يخلق تغييرات جذرية في مزاج وأفعال المحتجزين تصل في النهاية إلى «ثورة» عارمة ممزوجة بعنف لم يعهده أي منهم، وهنا بالذات يتجلى ارتباط قصة الفيلم وأحداثه بالواقع «الثوري» العربي على العموم ومدى إسقاطاته على دموية المشهد المشرقي الآن..