مونتي بايثون: ليس كل «ضحك».. ضحكاً!

مونتي بايثون: ليس كل «ضحك».. ضحكاً!

أين يمكنك أن تشاهد لينين وماركس يتحديان ماو تسي تونغ وغيفارا في برنامج مسابقات عن تاريخ الكرة البريطانية. أو تنشرمجموعة من النسوة العجائز الرعب في المدينة في وضح النهار ويتعرضون بالأذى للرجال والمارة،

أو ينتقد وزير المشية السخيفة الأداء الحكومي الذي يركز ميزانيته على الدفاع والجيش ويقلل من دعم وزارة المشية السخيفة.

هذا الشيء المختلف كلياً نجده  فقط عند «مونتي بايثون» وهي فرقة كوميدية سريالية بريطانية ضمت خمسة من أفضل الممثلين الكوميديين (جون كليسي، أريك أيدل، مايكل بالين، تيري جونز، غراهام تشابمان) بالإضافة إلى المخرج الأمريكي «تيرري جيليام» مخرج برازيل، و12 قرداً.
اجتمعت الفرقة لأول مرة عام 1969 لتقديم المسلسل « سيرك مونتي بايثون الطائر»ذي الميزانية المنخفضة وعرض منه أربعة مواسم بإجمالي 45 حلقة على الـBBC.
كان المسلسل إبداعاً كوميدياً حقيقيا تجاوز كل الحدود التقليدية للعمل الفني، فلا يوجد محرمات عند البايثون،بدأت مواضيع السخرية عندهم بالدين ولم تنته برموز السياسة والعائلة الملكية البريطانية وحتى رموز الحرب العالمية الثانية والجيش البريطاني.
بنية المسلسل أصيلة مذهلة، تتكون من عدد من السكتشات السريالية المجنونة تتلاحق على الشاشة دون حدود تقليدية، تجمع بينها وتربطها رسومات «غيليام» وأفكاره الخيالية التي تعطي إحساساً بوحدة العمل وكليته. تتنوع الموضوعات التي تناولها البايثون حيث لايوجد محدد رئيسي لها، ولكن الهام فيها، أن تكون مجنونة بشكل كامل وأن تقلب فيها كل الوقائع والموازين والمسلمات.
اشترطت القواعد الكوميدية نهاية مضحكة جداً لاختتام المشاهد الكوميدية فيها، وقرر أعضاء الفرقة تجاهل النهاية (لصعوبة وجود نهايات لأفكارهم ذات السرد الكوميدي) وترك المشهد في منتصفه عندما يفقد طاقته المضحكة، وابتدعوا لذلك طرقاً خلاقة، فغالباً ما يقوم أحد الممثلين بالنظر إلى الكاميرا( كاسراً الجدار الرابع) ويقول:«هذا سخيف.. هذا أسخف شيء رأيته في حياتي» ثم يغادر المشهد، أو تمر شخصية من المشهد التالي وتأخذ المشهد معها..!!وقد استخدموا طرقاً مميزة رغم تكرارها، منها إلقاء كتلة معدنية فوق الممثلين، أومرور فارس من القرون الوسطى بالدرع المعدنية الكاملة مسلحاً بدجاجة ميتة يضرب بها الممثل عندما يقول شيئاً سخيفاً.
دخلت «المونتي بايثون» عالم السينما، وأنتجت أفضل الأفلام الكوميدية عالمياً. بدأت مسيرتهم السينمائية في فيلم «والآن لنأخذ شيئاً مختلفاً كلياً» الذي كان عبارة عن مجموعة اسكتشات من الموسمين الأول والثاني لبرنامجهم السيرك الطائر، ثم  جاء بعده «مونتي بايثون» والكأس المقدسة الذي يتناول بأسلوب كوميدي ساخر أسطورة الملك البريطاني آرثر، وفرسان الطاولة المستديرة، بنقد معاصر، ومن الطريف أن الكوميديا في هذا الفيلم تبدأ من شارة العناوين والأسماء الأولى والتي تستمر لعشر دقائق.
ثم تعود الفرقة للعمل في فيلم آخر هو حياة براين الفتى الذي ولد في الكهف المجاور للمسيح في الليلة نفسها والذي يخطئ الناس دوماً بينه وبين المسيح، وهو ينتقد بشكل لاذع الأفكار الدينية دون التطرق لشخصية المسيح أو الديانة المسيحية.
تركت فرقة «مونتي بايثون» العديد من الأفلام التي نقدت بكوميديا مستفزة في قدرة الإبداع كل القيم «السامية» حيث تعرت هذه القيم وظهرت عيوبها بتجل ممتع في أعمالهم، قدموا نقداً سياسياً اجتماعياً لتقاليد المجتمع الأوروبي في العصور الوسطى وحتى العصر الحديث وللسياسات العالمية برؤية معاصرة وفهم معمق لطبيعة هذه السياسات وما يمثلها من حكام.
جعلت فرقة «مونتي بايثون» العالم بأكمله أضحوكة ذكية تقف أمامها بانبهار مرعب وأنت تذرف دموع الضحك.....