مزاحم الكبع لـ«قاسيون»:  المحافظة على التراث بإعادة إنتاجه

مزاحم الكبع لـ«قاسيون»: المحافظة على التراث بإعادة إنتاجه

الأدب الشعبي حامل لتاريخ وتراث المنطقة، خاصة غير المكتوب هل استطاع الأدب الشعبي القيام بهذه المهمة؟

تمتاز سورية بميزة هامة، وهي ميزة التنوع الجغرافي (الصحراء والبحر والجبل والأنهار والوديان، هذا التنوع يشي بتنوع ثقافي وحضاري، والثقافة الشعبية جزء من التنوع الثقافي.
 أظن أنه استطاع لحد ما، بغياب الموثقين والمؤرخين لتاريخ وتراث منطقة الفرات. بالإضافة إلى تهميش هذا التاريخ والتراث وحتى الحياة في العقود الأخيرة في القرن الأخير لسبب أو لآخر رغم أن المنطقة الشرقية هي الركيزة والعمود الأساسي للاقتصاد السوري فهو ينتج القمح والقطن وفيه النفط والمياه وهي مقومات الاقتصاد وحتى سياحياً لدينا مدن أثرية وتاريخية هامة ماري العمورية ودورا أوربوس وحلبية وزليبة وآثار بقرص...
 يلقى بعض اللوم على أهل المنطقة أيضاً، ولكن يفسره صعوبات مرحلية تاريخية وموسمية وحتى المصادفة. فأهل المنطقة رغم صعوبة الحياة حاولوا التغلب عليها بالروحانيات والموسيقا فمالوا إلى جانب الأغنية والقصيدة أي ما يحرك الروح أكثر من ميلهم للمادة الجامدة وهو التدوين كنوع من مسايرة الواقع والتخفيف من عناء معيشتهم خاصة أنهم تعرضوا لمآسي على مراحل طويلة ومتباعدة مثل الاستعمار والإقطاع وحتى الرأسمال فكان تعبهم يسرق، يعملون من الصباح إلى غياب الشمس في الحقول، وفي النهاية لا يحصلون على شيء يذكر.
ثم تعرضهم لصعوبات أخرى مثل سنوات الجفاف المتلاحقة التي تزيد متاعبهم، وهناك المصاعب الاجتماعية مثل عادة الثأر والنمط العشائري وترحال العشائر وتنقلها بسبب ذلك ممازاد صعوبة التوثيق.
كيف توظف المفردة في الأدب الشعبي سواء كان في الأمثال أو الأغنية أو الشعر.. إلخ؟
المفردة مثل نبضة القلب المختلفة بالعدد والقوة من شخص إلى آخر، وهي ابنة حالتها وابنة الواقع والذي يعيش على نهر الفرات، مفردته مرتبطة بما يحيط هذا النهر، مزروعاته الطبيعية والعادات والتقاليد واللكنة المتوارثة هذه اللهجات لم تأت من فراغ أو عبث.
ابن منطقة الفرات المولود في دمشق أو حلب.. إلخ. والذي عاش في غير منطقته سيتأثر بلهجة المنطقة التي يترعرع فيها، ومع ذلك يحن عندما يسمع المفردة الفراتية، ويميل هواه وقلبه ولكن لسانه سيظل متعلقاً باللكنة التي تعلمها منذ الطفولة ونشأ عليها.
المفردة الفراتية لها جانبان جمالي وعاطفي وجانب مرتبط بقساوة المنطقة نصفها بأنها جزلة وجميلة.
وكان يراد لها وخصوصاً في الشعر أن تكون كحد السيف قاطعة، وتأتي نتائجها فوراً، أو تكون كماء الحياة مؤثرة تأتي بغرضها مباشرة. تركز على الهدف.
امتاز الشعر الفراتي بالارتجال أكثر من القصيدة المكتوبة والمنظمة، فالقصيدة عبارة عن ومضة تمر بالخيال إذا لم تمسك بها تتبدل.
الأدب الشعبي يحمل شحنة عاطفية وجدانية كبيرة ولكنها تمتاز بالحزن، برأيك ما هو مصدر شحنة الحزن خاصة والباحثون يؤكدون أن هذا من أيام كلكامش؟
صعوبات وظروف الحياة تترك غصة في القلب والحزن هو تعبير عن الحياة الصعبة والقاسية والحزن لا يكمن في قصائد الرثاء والفقد والتوجع، بل حتى الغزل نجد مسحة حزن له سببه المتعلق بالعادات والتقاليد، فالشاعر عندما يغرم بفتاة يضطر إلى خوض معارك كثيرة صعبة، والحب عفيف عذري صادق مما ينعكس في الإنتاج الشعري ومنطقتنا لها خصوصيتها في كل شيء حتى في اللباس وطريقة اللقاء والغزل مرتبط بحالة الفقد والحرمان، سببه الإرث الاجتماعي للبيئة العشائرية، والبعض ينظر إلى الشعر على أنه شيء من الفسق أو الكفر.
أنت تكتب الأغنية الشعبية ما الذي يربط الشعر بالغناء والموسيقا وهل تستطيع الأغنية أن تنقذه كونها أحد أشكال توثيقه؟
عملت أمسيات شعرية في مختلف المحافظات السورية وكنت أخشى من عدم فهم المفردة خاصة أن قصيدتنا الشعبية صعبة، ولكنني كنت أتفاجأ أن الجمهورر يتقبلها برحابة صدر وشوق وتعطش حتى وإن مرت عليه بعض المفردات التي لا يفهمها ولكنه يفهم الطابع العام وهذا تفسره الموسيقا الكامنة بداخل وصميم القصيدة الشعبية الفراتية، فروحية الموسيقا تحتاجها الأرواح، وهو ما يؤكده علم الطب الحديث والعلاج بالموسيقا كأغاني الحصاد.
كيف يمكن الحفاظ على التراث وتطويره خاصة في الظروف الحالية؟   
التراث هوية الشعوب خاصة وخاصة شعوب المنطقة عمرها آلاف السنين. حاولت في عملي أن أدمج الحياة الحالية بنكهة تراثية بحيث من يسمع الكلام ولا يعرف قديمه، يعتقد أنه حديث ومن يعرف قديمه يسمع الجديد فيه، والمحافظة عليه تكون بإعادة إنتاجه أن نحافظ على هويته أي لايغرّب عن سمته السورية، ولا يقدم بالطريقة القديمة التي تكون ثقيلة حتى على ابن الوطن. ويتم تعريفه وتقديمه على أنه تراث، ولكن ينبه على إعادة توزيع وإضافة الجديد له. ويمكن إحداث معاهد محلية لتدريس تراث منطقتها، ويمكن تبني مشروع على مستوى العاصمة يتم من خلاله تدريس كل أنواع التراث السوري الذي يشبه حقل ورود، فيه أنواع وأشكال لا تعد ولا تحصى.  جيلنا وجد فرصة بالتواصل مع التراث، ولكن الجيل الجديد جيل عالم الفضاء والأنترنت والديجتال لا يملك هذه الفرصة، وواجبنا أن نتيحها له.

حاورته : إيمان الذياب