انتقادات عميقة للدراما السورية.. نحو اللاهوية واللاشخصية واللافن
سناء هاشم سناء هاشم

انتقادات عميقة للدراما السورية.. نحو اللاهوية واللاشخصية واللافن

درجت العادة أن يسبق عرض الدراما الرمضانية ادعاءات ودعايات ولقطات وأخبار صحافية من مواقع التصوير على سبيل التسويق المسبق لها وتهيئة المتلقين نفسياً لها حتى يكاد بعضهم يتحرق لإثبات هلال شهر رمضان حتى يشاهد ما روجت له تلك الادعاءات.. ليذهب كل منهم إلى رأي مختلف تبعا لما شاهد.

وفي ندوة أدارها عبد الرحمن الحلبي تناولت الدراما السورية في رمضان، رأى الشاعر والصحافي سامر محمد إسماعيل أن نهل المشهد التلفزيوني من المجتمع السوري أمر لا شك فيه، ومن الهاجس السوري أيضاً ليطل بذلك على شرائح متعددة ومعقدة من الجمهور إن كان محلياً أو عربياً.
وأشار مدير الندوة التي احتضنها ثقافي أبو رمانة في دمشق إلى أن الهدف منها هو الوقوف بشكل نقدي أمام ما عرض من أعمال في الموسم الرمضاني الفائت.

شطب مجتمعات بأكملها

وحاولت الندوة التي استضافت الكاتب والصحافي عماد عبد اللطيف نداف والشاعر والصحافي إسماعيل، نقل «نظرة شبه موضوعية في الدراما الرمضانية».
وتحدث إسماعيل عن محاولة لملامسة هذا الإنتاج الدرامي، لافتاً إلى أنه في العقد الأخير تم اختطاف هذا الإنتاج ومن ثم تزوير وشطب مجتمعات بأكملها، مفسراً الأمر بكون الدراما التلفزيونية تخضع لرؤوس أموال محلية تعمل بطريقة المنتج المنفذ لما تريده الفضائية أو المحطة أو الجهة المنتجة، «ولذلك تتم صناعة وتحقيق هذه الأعمال وفق أجندات لما تريده الجهة المنتجة على عكس ما كان في ستينيات القرن الماضي عندما كان الهاجس السوري يقدم دراما سورية صرفاً».
وقال اسماعيل: أما قضية الثلاثين حلقة فهي سوق عكاظ للدراما التلفزيونية العربية والسورية خصوصاً نتيجة الظرف وتوقيت العرض ما دفع بها للانحياز إلى الجهة التي تمولها لإرضائها فانحرفت هذه الدراما بالتالي عن واقعها وهاجسها لتصبح رهينة للمال النفطي الذي خرب الذائقة على أكثر من مستوى في غياب مشاريع وطنية حقيقية كانت فاعلة ومن ثم شراء النخب وشراء الأدمغة الإبداعية، لذا نلاحظ اليوم أن الدراما تلعب على ما يطلبه السوق (مسلسل صبايا - بنات العيلة إلخ ....) وتفريغ الأعمال من محتواها من خلال هذا المال الجاهل الذي اجتاحنا وحولنا إلى لقمة سائغة على شاشاته.

تأصيل البضاعة

بدوره وقف الكاتب عماد نداف عند منظومة المعايير الفنية وأهمية تأثير الدراما في مجموع العقل البشري والرأي العام وفي تربية الجيل.
وأضاف: الدراما هي فن مخيف على منظومة المعايير الفنية ولا مانع لدينا من التفكير في السوق إذا كنا نتحدث عن الدراما ولكن عبر تأصيل البضاعة متسائلاً: هل كانت الدراما الرمضانية أصيلة؟.
إسماعيل:بعض درامانا الحالية «منتج منفذ» لمموليها النفطيين نداف: سلعة أسست لتمزيق المجتمع و إفساده ومحو ثقافته الحلبي: فهم قاصر لشعار الدراما الشبابية أطاح بالشباب وبالدراما

مستدركاً: نعم كانت الدراما السورية الرمضانية أصيلة، لكنها لم تعد أصيلة الآن بسبب السوق، فلعبة السوق وأثرها في الثقافة والفن لمسهما المشاهد المحلي والعربي على عكس الدراما المصرية التي ورغم ما تعرضت له من سقطات لكنها حاولت دائماً أن تتمسك بأصالتها، ولا تخضع لمقاييس العرض والطلب.
وبيّن نداف: إذا كان السوق يتطلب غشاً فأنا أقول: إنه ليس صحياً وعلى هذا الأساس دخلت درامانا السوق غير الصحي، وهنا يجب علاجها لأنها وصلت في انهيارها حتى كادت أن تكون أداة لتمزيق المجتمع السوري و إفساده وأداة لمحو الثقافة عنها ومحو رسالتها.

دراما معتلة!

من جهته تطرق مدير الندوة الناقد الحلبي إلى مصطلح الأغنية الشبابية والدراما الشبابية موجهاً سؤاله بالقول: هل هناك حقاً دراما شبابية وهل يعدّ ما قدمه أسعد الوراق وأمثاله دراما عجائزية؟.
فقال اسماعيل: ثمة جائحة تعرضت لها الدراما تحت مسمى مسرح شبابي، دراما شبابية، ليس لها معنى أو قيمة بل لتمرير أعمال رديئة فنياً على صعيد كتابة النص والتمثيل.
وضرب مثالاً: رأينا أكثر من عمل يصب في هذا المنحى لأن هذا المصطلح فتح باباً عريضاً على دكاكين إنتاجية تشغل الشباب الجدد، فظهرت طاقات بدل أن تكون جادة وطليعية تحمل من القيم والأخلاق الفنية، نجدها تتجه إلى اللاهوية واللاشخصية في أعمال كمسلسل فتت لعبت، رزنامة..، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه الدراما وثيقة تعبر عن زمن بكل ما يتمتع به من سلب وإيجاب، وكان حرياً بهم أن يتعلموا من أخطائهم لأن كنز البشرية الحقيقي هو كنز أخطائهم.
الحلبي تساءل: هل يجب أن يكون النص في الدراما الشبابية شاباً أم المخرج، أم الممثلون شباباً؟. ويجيب نداف: أعتقد أنه لا الكتّاب استطاعوا تقديم الشباب بصورة المجتمع، ولا الشباب استطاعوا تقديم أنفسهم في صورة الدراما، والسبب في ذلك هو الخضوع لشروط الإنتاج، فالدراما هي في الأساس صناعة، وشروط نجاحها تبدأ من المادة الخام وصولاً إلى السلعة الموجودة في السوق.
في البدايات كان من يكتب للدراما يتمتع بالمهارة وينتمي إلى المجتمع وقضاياه ويفكر بما يفكرون، أما الآن فالكاتب ينتمي لهذا المجتمع لكنه لا يكتب له لأن شروط الإنتاج هي التي تتحكم، فلم يستطيعوا أن يؤصلوا لهذا الفن ليجعلوا منه فناً أصيلاً بل أخضعوه لشروط الإنتاج، بينما في السابق كانت الدولة هي المسؤولة عن إنتاجها.

فقاعات الصابون

ويقف الحلبي عند مقولة «لست مع مبدأ جلد النفس ولكن لا بد من وقفة حقيقية مع الذات لنخرج بنتائج مهمة وحاسمة ربما يكون أولها لفظ الدخلاء وفقاعات الصابون خارجاً لأن الساحة الدرامية اليوم لم تعد تتسع إلا للمبدع الحقيقي الذي يخاف على الدراما ويحمل هماً حقيقياً ويجعل أولوياته الحفاظ على السّوية العامة»، ليعلق إسماعيل بالقول: بعض الصحفيين يعملون مديرين لشركات الإنتاج فتكون كتاباتهم عبارة عن مقالات ترويجية إعلامية دعائية لهذه الأعمال والشركات والمشكلة أن التلفزيون جهاز خطير والدراما مغرّية بالمتابعة... لذلك تكون أكثر تأثيراً، وعليه فنحن نحتاج إلى مراكز بحوث حقيقية قادرة على إجراء استفتاءات رأي.
كما دار خلال الندوة نقاش طويل حول مسلسل «سكر وسط» الذي شوّه مجتمع الفقراء وجعل 60% من الشعب السوري ينطبق عليه التجريد من القيم و المفاهيم الأخلاقية.
ويقول نداف: إن الصحافة الفنية في سورية ليست عرجاء وحسب بل هي ابنة الفن، فلا تستطيع الصحافة الفنية الناقدة أن تصبح متميزة إلا إذا كان النقد متميزاً، والمشكلة أن النقد في صحافتنا هو جلد للذات ويدخل في لعبة الإنتاج والعلاقات العامة ولا يمكن تصنيفه على أساس نقد ولا أظن أن محاكاة الفضائح والجنس طريقة صحية لترويج الدراما.
من جهته بّين اسماعيل أن الموسم الرمضاني الفائت ضم عدداً من الأعمال مثل «حدث في دمشق- وطن حاف- تحت سماء الوطن» معتبراً إياها من الأعمال المتميزة وسوّقت في أكثر من محطة عربية رغم الظروف وهذا دليل أن العمل المتميز يلقى جمهوراً –على حد تعبيره-  وأنه هنا يجب أن نتوقف عند أهمية إيجاد سوق محلي قادر على استقطاب الأعمال إنتاجاً وتسويقاً، وبرؤوس أموال وطنية حتى لا نكون عرضة للمتاجرة من قبل أموال أقل ما يقال فيها إنها قذرة.

 


المصدر: صحيفة تشرين
ت. صالح علوان