هل يحتمل الغرب التأثيرات الاقتصادية للحرب على غزة؟
عدد من الكتاب عدد من الكتاب

هل يحتمل الغرب التأثيرات الاقتصادية للحرب على غزة؟

عند التحدث عن الآثار الاقتصادية المحتملة للحرب «الإسرائيلية» على الفلسطينيين، يجب أن نضع في الاعتبار أنّه سواء الغرب، أو صنيعته «إسرائيل»، سيتأثران بشكل كبير، وربّما تأثّر طويل الأمد، نتيجة هذا العدوان، خاصة إذا ما طال أمده، أو امتدّ ليشمل أقاليم ولاعبين آخرين.

ترجمة: أوديت الحسين

لدى عمالقة التكنولوجيا في العالم مكاتب كثيرة في «إسرائيل»، وهي على الأرجح تقوم الآن بنقل عملياتها خارج «إسرائيل»، إلى الهند، أو أماكن أخرى بعيدة عن الصراع. هناك أكثر من 500 شركة متعددة الجنسيات، منها إنتل، ومايكروسوفت، وغوغل، لديها مكاتب في «إسرائيل»، وبعض هذه المكاتب هي مراكز كبرى ذات قدرات عالمية، ومراكز أبحاث وتطوير كبيرة، توظّف أكثر من 100 ألف شخص.
يقول الخبراء: إنّ أغلب هذه الشركات ستقوم بنقل أعمالها الفعلية إلى أقاليم ذات مناطق زمنية مشابهة، وقدرات بشرية متطورة، سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا الشرقية. يقول المدير التنفيذي لشركة التكنولوجيا Everest Group بيتر بيندور- سامويل: قد تتأثّر الخدمات التكنولوجية على المدى القصير والمتوسط، لأنّ الموظفين من «إسرائيل» لم يعودوا قادرين على العمل، وأحد الأسباب هو استدعاؤهم للقتال. ستتحول أعباء العمل على المدى القصير إلى تعويض المخاطر.. وستستفيد الهند وأوروبا الشرقية من التأثيرات.
لدى شركة غوغل أكثر من ألفي موظف في مكتبيها في «إسرائيل»، وقد امتنع مديرها التنفيذي في الحديث عن الانتقال، وركّز في حديثه على أنّ تركيزهم الحالي هو على الحفاظ على أمان موظفيهم. وتملك شركة TCS قرابة 250 موظفاً، معظمهم من المواطنين «الإسرائيليين». تحدّث الناطق باسم الشركة مع الناطق باسم شركة Wipro التي تملك أكثر من 80 موظفاً هناك، قائلين: إنّ «الشركة تراقب الوضع عن قرب، وجاهزون لتفعيل خطط استمرارية العمل في حال تواصل التصعيد هناك».

أوروبا قد تخسر «تعافيها» المحدود

يستعد الاقتصاد الأوروبي لمواجهة التأثيرات المتتابعة الناجمة عن الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحماس، والذي قد يمزق الشعور بأنّ الأمور بدأت تصبح أكثر إيجابية بعد مرور عشرين شهراً على الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا. مع التوقعات بشن هجوم بري على غزة من قبل القوات «الإسرائيلية»، تخشى الحكومات في جميع أنحاء الغرب من التأثير غير المباشر للعنف الأوسع في الشرق الأوسط بعد فترة وجيزة من الاضطرابات الاقتصادية التي أحدثها فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا.
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لومير للصحفيين على هامش الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي: «دخل الاقتصاد العالمي أوقاتاً عصيبة لأن التوترات الجيوسياسية هي الخطر الاقتصادي الحقيقي... أي تصعيد في المنطقة سيكون له بالطبع تأثير كبير على النمو العالمي والرخاء العالمي». وبعد أن أدّت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع تكلفة الوقود بشكل صاروخي، بدأ الإنتاج العالمي في التعافي ولكن ببطء، حيث نما بنسبة 3٪ هذا العام، ومن المتوقع أن يبقى منخفضاً عند 2.9٪ العام المقبل. ومن المتوقع أن تنمو منطقة اليورو بنسبة 0.7٪ فقط هذا العام، و1.2٪ العام المقبل، وهو ما يمثل انخفاضاً بمقدار 0.2 و0.3 نقطة مئوية عن توقعات صندوق النقد الدولي السابقة.
ورغم محدودية تأثير العدوان «الإسرائيلي» في حجمه الحالي على الاقتصادات الغربية، فإنّ الخوف هو أن تؤدي الحرب المطولة، مع احتمال تصاعدها، إلى المزيد من التصعيد في الشرق الأوسط، وبالتالي عكس المكاسب القليلة التي تحققت بشق الأنفس على جبهتي النمو والتضخم. ارتفعت أسعار النفط يوم الاثنين 9 تشرين الأول بنسبة 4٪، وتراجعت قليلاً يوم الثلاثاء لتبقى أقل بكثير من الذروة الأخيرة التي بلغت حوالي 100 دولار للبرميل. وقد يكون التأثير غير المباشر لارتفاع تكلفة النفط كبيراً في أوروبا، خاصة وأنّ القارة تعاني من صدمة أسعار الطاقة التي أدت إلى ارتفاع التضخم في الخريف الماضي.
قال بيير أوليفييه غورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي: إنّ الارتفاعات التي تزيد عن 10٪ ستخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 0.15 نقطة مئوية، وتزيد التضخم بمقدار 0.4 نقطة مئوية. وقال: «علينا أن ننتظر قليلاً لنقول ما هو التأثير المحتمل». وقال هينينغ غلوستين، مدير الطاقة والمناخ والموارد في مجموعة أوراسيا البحثية: إنّ ارتفاع تكلفة النفط يشير إلى توقع انتشار العنف، وقال: «لم يؤثر الصراع حتى الآن على أي إمدادات نفط على الإطلاق– السعر الذي نراه هو حرفياً تسعير سوق النفط لمخاطر أعلى على الإمدادات بسبب المخاوف من احتمال تصاعد الصراع».
ومن المتوقع أن يؤدي أي تورط إيراني في الصراع إلى خفض إنتاج النفط الإيراني وتشديد العقوبات الغربية عليها. وأضاف غلوستين: «إذا تأثر مضيق هرمز.. سنرى أسعار النفط ترتفع إلى أعلى مستوياتها، لتتجاوز 100 دولار للبرميل. وهذا من شأنه أن يجعل معركة السيطرة على التضخم أكثر صعوبة، مما يزيد الضغوط على الحكومات على جانبي الأطلسي لاتخاذ المزيد من التدابير لمعالجة أزمة تكلفة المعيشة». وفي مذكرة نُشرت يوم الخميس عن بنك غولدمان ساكس الاستثماري، فإنّه يتوقع أن يتراجع إنتاج النفط الإيراني بشكل طفيف فقط نتيجة للصراع، بما يتوافق مع توقعاته بأن يتم تداول أسعار النفط عند 100 دولار للبرميل بحلول نهاية العام المقبل.
قال المحللون: «نرى بأنّ المخاطر تميل بشكل معتدل إلى الجانب السلبي، مقابل توقعاتنا الحالية البالغة 3.25 مليون برميل يومياً خلال الفترة من 2024 إلى 2025». ارتفعت الأسعار الجلية للغاز الهولندي يوم الخميس- وهو مؤشر خاص بصناعة النفط- إلى ما يقرب من 52 يورو لكل ميغاواط في الساعة، وهو أعلى مستوى خلال سبعة أشهر، وبزيادة قدرها 37٪ تقريباً عن سعر يوم الجمعة مع انتهاء التداول. كما أمرت «إسرائيل» شركة شيفرون بإيقاف استخراج الغاز في حقل تامر وسط إطلاق الصواريخ، وأكدت الحكومة الفنلندية يوم الأربعاء بأنّها تحقق في عملية تخريب في خط أنابيب غاز تحت الماء يمر تحت بحر البلطيق. ومع ذلك، فإنّ كلا التطورين لهما تأثير محدود على العرض، حيث يقترب تخزين الغاز الأوروبي إلى نسبة 100٪.
صرّح غلوستين: سوق الغاز هادئ، ولكنه متوتر، مضيفاً بأنّ أي تصعيد للصراع من شأنه أن يهدد كبار المنتجين الإقليميين للغاز الطبيعي المسال، مثل: قطر، وبالتالي يؤدي إلى زيادة الأسعار. لا يتطلب الأمر الكثير للوصول إلى درجة الحمّى. قال: لقد شهدنا حرب أوكرانيا، وانقطاع إمدادات الغاز الروسي، وعقوبات الحد الأقصى للنفط. الآن لدينا حرب في الشرق الأوسط أيضاً، وهذه مشكلة».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1144
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين1/أكتوير 2023 16:09