إفريقيا الوسطى تريد التخلّص من هيمنة فرنسا على اقتصادها
أليكسي باليف أليكسي باليف

إفريقيا الوسطى تريد التخلّص من هيمنة فرنسا على اقتصادها

مؤخراً، قال ليون دودونو بوناغازا، السفير فوق العادة والمفوض لجمهورية إفريقيا الوسطى لدى الاتحاد الروسي: إنّ بلاده مهتمّة «بوجود قاعدة عسكرية روسيا على أرضها، ما سيساعدها على تعزيز استقلال جمهورية إفريقيا الوسطى وجيرانها، وإنجاز مهامها بدخول مرحلة جديدة في العلاقات بين عموم إفريقيا الوسطى وروسيا». ولكن المساعدة الروسية لا تقتصر على العسكر، بل بشكل رئيسي على التعاون والشراكة الاقتصادية التي ستكون الأساس في قدرة الأفارقة على التخلّص من مُستعمرهم السابق ومحاولاته لإدامة هيمنته.

ترجمة: قاسيون

دعونا نذكر أنّ جمهورية إفريقيا الوسطى كانت مستعمرة فرنسية حتّى عام 1960، لا تزال مصدراً للمواد الخام، ملحقة بعاصمة مستعمريها السابقين. تسيطر الشركات الفرنسية بشكل مباشر وغير مباشر على معظم قطاعات اقتصاد المستعمرة السابقة. أولاً وقبل كلّ شيء: على قطّاع المواد الخام، الذهب وتعدينه، والماس، واليورانيوم، وتطوير أنواع الأخشاب الاستوائية عالية القيمة «الماهوجني والكامبيتشي والورد والأبنوس». الحقيقة، أنّ ثلث الموارد الأكثر قيمة في العالم– الماس الأسود– تتركّز في جمهورية إفريقيا الوسطى، ويتمّ تطوير ما يصل إلى نصف هذه الموارد داخل البلاد. وفقاً لذلك، فإنّ تصدير المواد الخام المختلفة من جمهورية إفريقيا الوسطى مملوك بشكل اسمي للدولة الإفريقية فقط، فالأعمال الفرنسية تهيمن على كامل المجال. لكنّ سلطات جمهورية إفريقيا الوسطى تخطط لتأميم القطاعات الرئيسية لاقتصادها الوطني بحلول 2024 – 2025.
لا توجد حتّى الآن ولا سكّة حديد واحدة في البلاد، وتحتلّ جمهورية إفريقيا الوسطى مرتبة الريادة فيما يتعلق بالفقر والوفيات في كامل القارة. كما أنّ العملة المحلية «الفرنك وسط الإفريقي» تمّ فرضه من قبل وزارة الخزانة الفرنسية في عام 1960، وليس فقط في جمهورية إفريقيا الوسطى، بل أيضاً في أربع دول إفريقية أخرى من مستعمرات باريس السابقة: الكونغو والجابون والكاميرون وتشاد. يسمح هذا لعاصمة المُستعمِر السابق بالسيطرة على النظام المالي لكامل هذه المنطقة الشاسعة. لكنّ جمهورية إفريقيا الوسطى، إلى جانب الكونغو والكاميرون، تعمل اليوم على إيجاد خيارات لإنشاء عملة مستقلة على مستوى المنطق منذ النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
تعمل روسيا وجمهورية إفريقيا الوسطى بنشاط على تطوير التعاون التجاري والاقتصادي والعسكري التقني منذ منتصف 2010. حتّى الآن، تمّ تطوير أكثر من 10 مشاريع مشتركة، بما في ذلك الطاقة الكهرومائية. تمتلك الدولة الإفريقية موارد مائية هائلة لا يُستخدم منها سوى 15٪. تنطبق المشاريع المشتركة أيضاً على صناعة التعدين، وتجهيز الأخشاب والمواد الخام الزراعية، وزراعة القطن، والنقل النهري. الروس مهتمون بجمهورية إفريقيا الوسطى، وبالمساعدات الروسية في تطوير شبكة السكك الحديدية في المنطق، والرعاية الصحية، وتدريب الكوادر الصناعية والعسكرية الوطنية. منذ عام 2020 يعمل الاتحاد الروسي بنشاط على تطوير شراكات اقتصادية مع العديد من البلدان في منطقة وسط إفريقيا. وكلّ هذا يسير بالرغم من ضغوط العقوبات التي يمارسها الغرب ليس فقط على روسيا، بل أيضاً على الدول النامية التي تريد التعاون مع الاتحاد الروسي.
بالنسبة للقاعدة العسكرية للاتحاد الروسي في جمهورية إفريقيا الوسطى، أوضح سفير الدولة الإفريقية في موسكو: «يمكن أن يكون هناك من 5 آلاف إلى عشرة آلاف عسكري هنا. بالإضافة لذلك يمكن نشر هؤلاء الجنود في بلدان أخرى في المنطقة إذا لزم الأمر». وأكّد الجانب الروسي بدوره الحاجة لإنجاز هذا المشروع. فيما يتعلق بالسياسة الداخلية، أشار ليون دودونو بوناغازا، إلى أنّه لا يمكن دون مساعدة من القوى الخارجية للدولة للوقوف في وجه الانفصاليين والمهربين ومنعهم من التسلل إلى الجمهورية عبر البلدان المجاورة، بهدف الاستيلاء على المواد الخام، وخاصة الذهب والماس. ووفقاً للسفير، عدم القدرة على الوقوف في وجه هؤلاء تعرّض المواد الخام للنهب، ناهيك عن عدم القدرة على السيطرة عليها بسبب سيطرة الشركات الفرنسية على صادرات البلاد.
أضاء السيد ليون دودونو بوناغازا على حقيقة، أنّ وجود المدربين العسكريين الروس في جمهورية إفريقيا الوسطى منذ عام 2018 قد سمح لبلاده بأن تصبح الدولة الأولى في إفريقيا التي تمكنت من مقاومة وجود الجيش الفرنسي. فبعد إصرار سلطات جمهورية إفريقيا الوسطى، غادر آخر 130 عسكري فرنسي البلاد، في وسط كانون الأولى من العام الماضي 2022. لطالما كانت هناك قاعدتان فرنسيتان كبيرتان في البلاد، بما في ذلك بالقرب من العاصمة بانغوي. لكن لا يزال لدى الفرنسيين قواعد في جمهورية إفريقيا الوسطى والجابون وتشاد، وكذلك في منطقة غرب إفريقيا، حيث المستعمرات الفرنسية السابقة أيضاً: ساحل العاج، والنيجر، والسنغال، وفي جيبوتي الواقعة في شرق إفريقيا.
في كانون الأول 2020 أرسل الاتحاد الروسي 300 مدرّب عسكري إضافي إلى جمهورية إفريقيا الوسطى بطلب من السلطات في البلاد. حتّى الخبراء الأمريكيون في مركز «كارنيجي موسكو» قد لاحظوا بأنّ «الاختصاصيين العسكريين الروس يساعدون حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى على تنظيم قواتها العسكرية الخاصة، ويقومون بفعل ذلك بدعم من الأمم المتحدة. ساعد وجودهم على استقرار الوضع وتعزيز موقع حكومة البلاد المركزية». إنّ حقيقة أنّ سلطات الدولة الإفريقية قد تحوّلت إلى روسيا لطلب المساعدة، تظهر أولاً وقبل كلّ شيء، خيبة أملهم في مُستعمرهم السابق فرنسا، وفي قدراته على مساعدتهم لحلّ الأوضاع في البلاد.
علاوة على ذلك، زيادة انتشار المستشارين العسكريين الروس في جمهورية إفريقيا الوسطى، وتقديمهم طلباً لإنشاء قاعدة عسكرية روسيّة فيها، يعود أيضاً لحقيقة أنّ الدولة الإفريقية تخشى قيام الجيش الفرنسي بالتدخّل بهدف استعادة القوة الكلية الاستعمارية من جديد لباريس في الدولة الإفريقية. سيكون من المفيد هنا أن نتذكّر بأنّ هذا النوع من التدخّل ليس جديداً، وقد تمّ اللجوء إليه عدداً من المرات من قبل فرنسا في مستعمراتها السابقة: ساحل العاج وتشاد ومالي في الستينيات والثمانينيات، وبعد ذلك في الجابون وبوركينا فاسو «التي كانت تُعرف باسم فولتا العُليا»، وبنين «التي كانت تُعرف باسم داهومي»، وفي جمهورية جزر القمر. لقد عمدت باريس إلى مثل التدخلات في جمهورية إفريقيا الوسطى أيضاً، وحتّى في منطقة غربي الصحراء ما قبل 1975. دعونا نتذكر فقط حرب الثماني سنوات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر «1954– 1962»، والعدوان الفرنسي في 1961– 1962 ضدّ تونس التي كانت تحت الوصاية الفرنسية حتّى عام 1957.
باختصار، تسعى جمهورية إفريقيا الوسطى إلى كسر قيود الاستعمار الفرنسي الجديد، وهي تعتمد بذلك على الدعم من روسيا القادرة على الوقوف في وجه ما يسمّى «الغرب الجماعي». علاوة على ذلك، تتذكر قارة إفريقيا أنّ 17 من أصل 20 دولة فيها حصلوا على استقلالهم عن المُستعمر الفرنسي بمعونة من الاتحاد السوفييتي في النصف الثاني من القرن الماضي. الروس لا ينسون ذلك، ويدركون أنّ القاعدة العسكرية والخبراء ضروريون كي يحموا المنجزات التي حققوها ويحققونها بالشراكة مع دول القارة. ولكن لا دول القارة ولا الروسي يعتمدون فقط على القوة العسكرية، فالمنجزات التي يجب حمايتها هي اقتصادية بالدرجة الأولى، ولهذا فمشاريع، مثل: خطوط سكك الحديد أو التكنولوجيا المستخدمة في التعدين، أو الطاقة الكهرومائية والنقل النهري، هي الأساس لمساعدة الروس لدول القارة الإفريقية، ومن بينهم جمهورية إفريقيا الوسطى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1125
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 14:09