ثلثا قيم المستوردات الدوائية غربية وتراجعت بنسبة 25% في 2019!

ثلثا قيم المستوردات الدوائية غربية وتراجعت بنسبة 25% في 2019!

اشتدت العقوبات الاقتصادية في عام 2019 وحملت معها تأثيرات كبيرة على البنية الاقتصادية السورية الهشّة... وهو ما يظهر من تراجع استيراد السلع المصنعة والجاهزة غير الغذائية بنسبة قاربت 47% بين عامي 2018-2019، إنّ هذا التراجع طال جميع المواد حتى التي تعتبر مستثناة من العقوبات، مثل: مستلزمات الصناعات الدوائية والمنتجات الدوائية شبه الجاهزة، في تراجع هو الأعلى خلال سنوات الأزمة... قارب رفع قيمها في 2018.

بالمجمل، يمكن رصد تراجع مستوردات الأدوية والمعدات الصيدلانية الجاهزة وشبه الجاهزة بنسبة 25% تقريباً من مستوى يقارب 165 مليون دولار إلى 125 مليون دولار تقريباً... 100 مليون منها مركبات دوائية جاهزة تقريباً، والباقي مركبات كيميائية عضوية تدخل في صناعات الأدوية، مثل: الأنتيبيوتيك والفيتامينات وغيرها.

لقد تراجعت قيم المستوردات الدوائية والصيدلانية بنسبة 68% بين عامي 2010 و2019، وثلث هذا التراجع جرى خلال العام الماضي... مترافقاً مع تشديد العقوبات، واضطراب سعر الصرف وارتفاعه وتوجّه كتلة هامة من الدولار إلى المضاربة، إضافة إلى قوانين الاستيراد المتخبطة، مثل: فرض قرار وضع مؤونة استيراد بنسبة 40% في المصارف المحلية التي رفعت تكاليف الاستيراد وقلصّت كمياته لتطال حتى الأساسيات.

مستوردات دوائية ثلثاها من الغرب!

لم تصدر بيانات الإنتاج المحلي لعام 2019، ولكن المؤشر السابق يبنئ بتراجع حجم الصناعات الدوائية السورية، التي وفق تصريحات رسمية تغطي نسبة تفوق 90% من الحاجات المحلية، إن هذا التراجع الكبير في مستوردات مستلزمات الأدوية يرتبط أيضاً بمنشأ هذه المستوردات التي تعود نسبة 66% منها إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، بينما الثلث الآخر موزع بالدرجة الأولى بين تركيا وكوريا الجنوبية، والصين والهند. والمنشأ الغربي الأساسي لهذه المستوردات يجعل أثر العقوبات أعلى، لأن هذه الدول هي التي تفرض العقوبات بالدرجة الأولى، ومستوى الالتزام بها أكبر سواء من قبل الشركات أو من قبل المنظومة المصرفية، ما يجعل الاستيراد من هذه المصادر أكثر مخاطرة، وبالتالي أعلى كلفة وأكثر عرضة لتراجع كبير عندما تشتد العقوبات.
فعلى الرغم من مرور سنوات من العقوبات لا تزال الصناعة والحاجات الدوائية مرتبطة بالغرب بمقدار يفوق ثلثي الحاجات... وهو يضعف من عامل القوة المتمثل بوجود صناعة دوائية تغطي نسبة هامة من الحاجات الدوائية، ولكنها تعتمد على مكونات مستوردة.

الشركات الدوائية رابحة بالأجور المنخفضة

إن استمرارية الشركات الدوائية ترتبط إلى حد بعيد بقدرتها على الربح، فحتى شركة تاميكو التابعة للدولة، ورغم الدمار الذي طال المعمل وخروج خطوط إنتاج وتراجع حجم العمالة واقتصارها على أنواع محددة، فإنها حققت في عام 2017 فائضاً يقارب نسبة 40% من مجمل التكاليف والمستلزمات... بينما المعدل أعلى في الشركات الدوائية الخاصة على الرغم من الأسعار المنخفضة للأدوية السورية. وهذه التكاليف المنخفضة والقدرة على تحقيق فوائض ترتبط بانخفاض كلف اليد العاملة، فأجور المختصين من خريجي الصيدلة في المعامل الخاصة تقارب وسطيا ً 100– 150 ألف ليرة، وهو أجر منخفض للغاية لمختص وخبير يعمل في قطاع هام كالأدوية، حيث الأجور المنخفضة في هذا القطاع الذي يقدّر البعض أنه يشغّل 17 ألف عامل ترتبط أيضاً بمستوى تشغيل النساء في القطاع بمعدل قدرته تقارير بنسبة 85% من العاملين.

كميات أكبر من تركيا والصين ومدفوعات أعلى للغرب

ينبغي الإشارة إلى أن الانخفاض النسبي في تكاليف صناعة الأدوية في سورية يرتبط أيضاً باستيراد الكم الأكبر من الأدوية والمركبات من تركيا والصين بأسعار أقل بكثير من الأسعار الغربية...
يظهر هذا من المقارنة بين أكبر بندين في استيراد الأدوية في كل من سورية ولبنان، (وهو مكون الأدوية الجاهزة تقريباً والمركبة من مكون أو مكونين)، حيث السعر الوسطي للطن المورّد إلى لبنان أكثر من 5 أضعاف السعر الوسطي المورّد إلى سورية.
فوسطياً يستورد لبنان الطن من هذه الأدوية بسعر 108 ألف دولار، بينما وسطي سعر الاستيراد السوري 19 ألف دولار للطن. والفارق الأساسي بين استيراد البلدين هو أن تركيا هي وجهة أساسية لكميات الاستيراد السوري، بينما بلجيكا وفرنسا وألمانيا هي الوجهات الأساسية التي يستورد منها لبنان أكبر كميات من الأدوية. وكذلك الأمر عند مقارنة الصنف الثاني ضمن مستوردات الأدوية وهو مضادات الجراثيم واللقاحات، حيث الصين وتركيا الوجهة الأساسية لأكبر كميات مورّدة منها إلى سورية، بينما الوجهات اللبنانية الأساسية غربية إضافة للسعودية.
لا بدّ أن المصادر التركية والصينية منخفضة التكلفة للأدوية تؤثر على مستوى فعالية الدواء ونوعه وهذا متروك لتقييمه فعلياً من (أهل الاختصاص)، ولكن من المؤكد أن الأسعار المرتفعة للمصادر الغربية للأدوية لا تعكس الفعالية الأعلى فقط، بل تعكس أيضاً كلف الرخص وحقوق الملكية المرتفعة جداً في هذه الصناعات الغربية تحديداً، فعملياً 20 طن من الأدوية القادمة من سويسرا وفرنسا إلى سورية لا تشكل إلا نسبة 0,7% من الكميات المستوردة تساهم بنسبة 30% من تكاليف الاستيراد...
ليبقى السؤال أمام المسؤولين عن رخص الاستيراد: ألا توجد مصادر عالمية أخرى (غير غربية) لهذه الأنواع من الأدوية ذات الكلف المرتفعة؟ هل يتم تدقيق حجم الحاجة الطبية والصحية لهذا المستوى من استيراد الأدوية من الغرب؟ ألم تثبت الأزمة الصحية العالمية حالياً حجم كفاءة دول مثل: الصين وروسيا بل وكوبا في الاستجابة لوباء عالمي، والقدرات الطبية المختلفة في هذا المجال؟ وأخيراً وهو الأهم: هل يمكن بتجارة مستلزمات دوائية ثلثاها غربي أن نواجه العقوبات الغربية؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
968
آخر تعديل على الإثنين, 01 حزيران/يونيو 2020 14:27