دعم الأغنياء... (باقٍ ويتمدد)
الدّعم هو واحد من سياسات إعادة التوزيع الهامة... فإذا ما كان الدعم ينقل سابقاً جزءاً من دخل قطاع النفط إلى الأجور عبر تخفيض الأسعار، فإنه اليوم يفعل العكس... والسياسات مستمرة في ممارسة الدّعم الاجتماعي ولكن للشرائح الاجتماعية الأكثر قوة ونفوذاً، والتي تحدد مسار السياسات. فدعم الأغنياء بل والطفيليين مستمر، بينما دعم الفقراء والمنتجين يتراجع.
لا تزال الحكومة تدعم شريحة ضيِّقة جداً من الأثرياء والمتنفذين السوريين، فتبيعهم (سلعة الدولار) بسعر مخفّض بينما سعرها في السوق أعلى. إن جوانب كثيرة من السياسة الحكومية تقول إن دعم الأغنياء عملية راسخة وذات سَمْت في السلوك الحكومي، وعلى رأسها دعم القلة المحتكرة للاستيراد بالدولار الرخيص.
وعملياً، إذا ما كانت الدولة في 2018 تمول نصف المستوردات فقط، أي ما يقارب 3,3 مليار دولار، فإن الدعم المقدم للمستوردين مقابل كل دولار هو 110 ليرة تقريباً. إذا اعتبرنا أنَّ السعر في السوق العام الماضي كان 550 ليرة للدولار وسطياً، بينما السعر الرسمي 440 ليرة تقريباً.
وهو ما يعني دعماً لهؤلاء يقارب 360 مليار ليرة سنوياً، هذا إذا ما كانت الحكومة تموِّل نصف المستوردات فقط وعلى سبيل الافتراض!
أما الحكومة فتغطي هذا الدعم من شريحة اجتماعية أخرى تحصل على مساعدات دخل من أبنائها في الخارج، فيرسل هؤلاء دولاراً ويقبض أهاليهم ليرة وبسعر أقل من 440 ليرة للدولار. أي إنهم عملياً المصدر الأساس للدعم الحكومي للتُّجار.
والأمثلة في هذا السياق كثيرة، رغم أنها قد لا تقاس بتقديرات رقمية مباشرة، فعندما تتشارك الحكومة مع شركات لرجال أعمال متنفذين محددين وتعطيهم أراضيَ مجانية بعد أن تضمن إخراج أهاليها منها ومقابل تعويضات قليلة، فإنها عملياً تقدم لقطاع الريع العقاري دعماً بنسبة تفوق الـ 60% من القيمة المتضخمة المضاربية لهذه العقارات، كما في مشروع ماروتا سيتي وغيره.
أمّا عندما تتخلى الدولة عن حصة هامة من حق المال لصالح المستثمرين المشاركين في قطاعات كالفوسفات والأسمدة والمرافئ مؤخراً، فإنها عملياً تدعم هؤلاء على حساب المال العام، وعندما تقدِّم لشركة حصة احتكارية من توزيع كل محروقات البلاد مقابل خدمات بسيطة، وعندما تبقي استيراد الأساسيات حكراً على وسطاء يسعِّرون القمح والمحروقات بأعلى من الأسعار العالمية بنسبة تصل 40%، وعندما تغضُّ النظر عن ضرائب الأرباح لدى كبار المكلفين، وعندما تتنازل عن حصتها من المال العام في شركات الاتصالات وتُغيّر العقود، وعندما وعندما... وهذه الأمثلة التي يمكن سوقها هنا، بينما هنالك الكثير من الممارسات التي يعرفها الجميع ولا تجرؤ الحكومة حتى على أن تطالها بالتعليق.
الدعم الاجتماعي مستمر، ولكن للشرائح التي تمتلك وزناً اجتماعياً وقوة ضغط عبر النفوذ والهيمنة على جهاز الدولة وعبر المال طبعاً، بينما الشرائح الاجتماعية الواسعة أي (عموم السوريين لا نخبتهم) فهؤلاء عليهم الدفع، ويمتنّون على ما أبقاه أثرياؤنا لنا من أجور تمنّنا الحكومة بها، ومن إنفاق على التعليم والصحة، أصبح يعدّ دعماً اجتماعياً بينما هو أدنى حدود إنفاق المال العام، وهو عملياً بأسوأ حالاته وأكثرها عرضة للنهب.
إنَّ رفع الدعم المطروح اليوم عن بقايا المازوت والغاز وربما الكهرباء والخبز، هو أيضاً دعم اجتماعي للأغنياء. لأنه سيرفع مستوى الأسعار محيلاً كتلة جديدة من الدخل لأرباحهم، والأهم، أنه سيزيح حصة الدولة من احتكار سوق هذه المواد الأساسية، ليدخلوا على تجارة الخبز الذي لا تنافسه (ربطة الخمسين ليرة)، وعلى تجارة المازوت الذي يمكن تحريكه مع هوى الأسعار العالمية واحتكار المحتكرين وتقديرهم لكلفهم! وهلمَّ جرا...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 939