مؤشرات من الرد الروسي على العقوبات في 2018
ليلى نصر ليلى نصر

مؤشرات من الرد الروسي على العقوبات في 2018

ظهرت في الأسابيع الماضية موجة جديدة من العقوبات، وتجديد لعقوبات سابقة، بين الأطراف الغربية وروسيا، بينما تكشف بيانات العام الماضي أهم آليات الرد على العقوبات الاقتصادية في روسيا والمتمثلة بوسائل من التحصين المالي، وتبديل دفة العلاقات التجارية.

تراجع الدين الخارجي-40% في أربع سنوات
كشفت بيانات منقولة عن المصرف المركزي الروسي للربع الأخير من عام 2018، تراجع الدين الخارجي الروسي بحوالي 64,4 مليار دولار، ونسبة 12,4% خلال العام الماضي. ليبلغ ما يقارب 453,7 مليار دولار في بداية 2019. وهو المستوى الأخفض منذ عشرة أعوام. وسيؤدي هذا التخفيض إلى تراجع تكاليف خدمة الدَّين من أقساط وفوائد، لتتراجع تكاليف الديون الخارجية للقطاعات غير المالية الروسية، من 22 مليار دولار تقريباً في الربع الأخير من 2018، إلى 11 مليار دولار متوقعة في الربع الأول من 2019، ما يشير إلى أن تقليص الديون يتركز ويتسارع في القطاعات غير المالية، التي ستنخفض خدمات ديونها بنسبة 50%.
بناء على بيانات المركزي الروسي، بدأ تخفيض الدَّين الخارجي الروسي منذ منتصف عام 2014، عندما وصل إلى ذروته وبلغ 733 مليار دولار، مع تطبيق العقوبات الأوروبية والأمريكية على روسيا.
ما يعني أن روسيا ومنذ أربع سنوات، عندما بدأ تطبيق العقوبات الغربية وحرب النفط، استطاعت أن تقلص ديونها الخارجية بنسبة تقارب 40%. ليصبح الدَّين الخارجي الروسي مقارباً لكميات الاحتياطيات الأجنبية للبلاد التي قاربت 470 مليار دولار.
توسيع الاحتياطي الذهبي وبيع 100 مليار دولار
كما كشفت بيانات المركزي الروسي، أن الاحتياطي الأجنبي للبلاد قد ارتفع للسنة الثالثة على التوالي، لينمو بنسبة 8,3% خلال 2018 ليصل إلى 468 مليار دولار من مستوى 432 ملياراً في شهر 1-2018.
بينما استمرت أيضاً عملية تقليص كتلة الدولار الاحتياطية، التي تقلصت إلى مستويات غير مسبوقة، بعد أن باعت روسيا حوالي 100 مليار دولار وحولتها إلى يورو وين ياباني ويوان صيني خلال عام واحد.
حيث أصبح الدولار يشكل نسبة 22% من الاحتياطيات بعد أن كان يشكل نسبة تقارب 44%. وأصبح اليورو هو العملة الاحتياطية الأهم في الاحتياطيات الروسية بنسبة 32%، بينما اليوان الصيني يشكل نسبة 15% تقريباً من الاحتياطيات والباقي موزع بين العملات الأخرى.
أما فيما يخص الذهب، الملجأ المالي المعتاد، فإنه أيضاً ملجأ روسي، حيث سبقت روسيا الصين في العام الماضي، لتصبح خامس أكبر حائز للذهب في العالم، بعد الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ولتحوز 2125 طناً من الذهب.
فالبنك المركزي الروسي يشتري الجزء الأعظم من إنتاج الذهب في البلاد، والذي يتسارع أيضاً. حيث أصبحت روسيا المنتج الثالث عالمياً، وزادت في 2017 إنتاجها بنسبة 6%، لتنتج قرابة 265 طناً من الذهب خلال الأشهر العشر الأولى من عام 2018.
يُذكر بأن روسيا هي البلد الذي يمتلك أكبر احتياطي معدني في العالم، وهي المصدر الثاني عالمياً للمعادن النادرة، حيث تقدر احتياطياتها الطبيعية بأكثر من 75 تريليون دولار، مقابل 45 تريليون دولار للولايات المتحدة، وحوالي 23 تريليون دولار للصين.
نمو التجارة مع الصين 30% ومع اليابان 20%
وأخيراً، فإن الاتجاه الأكثر وضوحاً في الرد على العقوبات، هو التغير في الأوزان التجارية والعلاقات الاقتصادية. فروسيا لديها كل الأسباب لتزيد من علاقاتها الآسيوية، عدا عن العقوبات.
العلاقات التجارية الروسية الصينية، متسارعة بمعدلات غير مسبوقة، وقد سجلت مستوى قياسياً جديداً فيعام 2018، لتصل إلى 107 مليار دولار، والأهم بمعدل نمو سنوي: 30%. حيث توسعت واردات البضائع الصينية إلى روسيا بنسبة 12%، لتصل إلى 48 مليار دولار تقريباً. كما ازدادت الواردات الصينية من روسيا بنسبة أعلى 43% تقريباً، لتصل إلى قرابة 60 مليار دولار. تتمركز العلاقات التبادلية في صادرات الآلات الميكانيكية والكهربائية من الصين إلى روسيا، مقابل استيراد الصين للنفط والفحم والأخشاب.
كما أنّ العلاقات التجارية الروسية اليابانية تتسارع بمعدلات استثنائية، حيث نمت بنسبة 20% في العام الماضي. والمفاوضات السياسية بين البلدين، تترافق بمفاوضات اقتصادية واسعة، تبدو أكثر نجاحاً، وتشمل توسيع علاقات السياحة والاستثمار، وإلغاء التأشيرات وغيرها. إلّا أن النقلة الأهم في علاقات البلدين كانت في طرق النقل التجارية، والتخطيط لمشاريع بنى تحتية ضخمة.
حيث أجريت في العام الماضي عمليات شحن تجريبية للسلع اليابانية إلى روسيا باستخدام وصلة بحرية وعبر سكة حديد سيبيريا، وصولاً إلى الغرب الروسي، وأوروبا. بالإضافة إلى مساهمة اليابان واهتمامها بطريق بحر الشمال، الطريق البحري في الشمال الروسي الذي يصل إلى أوروبا، والمخطط أن يكون بديلاً لطريق النقل البحري الجنوبي الدولي.
حيث ترى اليابان أن شريان النقل الروسي البالغ طوله 9289 كيلو متر بالغ الأهمية لها، وفق ما قاله نائب وزير الدولة لشؤون البنى التحتية والنقل والسياحة الياباني توشيهيرو ماتسوموتو. إذ ذكر بأنّ البلدين يتداولان حالياً السلع عبر شحن البضائع اليابانية إلى الغرب الروسي عبر المحيط الهندي، وما يتطلب 62 يوماً، بينما الطريق السككي عبر سيبيريا، أو الطريق البحري يمكن أن يقلص تكاليف نقل البضائع بنسبة 40%.
الموقع الخامس عالمياً قد يتحقق سريعاً
وضعت روسيا رغم العقوبات خطة طموحة للوصول خلال ست سنوات إلى الموقع الخامس عالمياً من حيث حجم الناتج، أي في عام 2024، بينما هي الآن في الموقع 12. ولكن يبدو أن هذه الخطة قد لا تكون بعيدة مع المتغيرات العالمية السريعة المتوقعة.
ظهرت تقديرات بداية العام الحالي، تقول: إن روسيا قد تصبح في عام 2020 خامس أكبر اقتصاد في العالم لتتجاوز ألمانيا. التقديرات الواردة في تقرير بنك ستاندرد تشارترد للنمو في المدى الطويل وحتى 2030. تشير إلى أن آسيا ستشمل 7 من أكبر عشر اقتصاديات في العالم، وأربعة من الخمس الكبار، الذين يتوقع البنك أن يكونوا في عام 2020: الصين أولاً، الولايات المتحدة ثانياً، ثم الهند، فاليابان، وبعدها روسيا.

آخر تعديل على الإثنين, 28 كانون2/يناير 2019 12:44